Eastern Mediterranean Health Journal | All issues | Volume 14, 2008 | Volume 14, issue 6 |  تمويل القطاع الصحي خيارات تمويل الرعاية الصحية في العراق

 تمويل القطاع الصحي خيارات تمويل الرعاية الصحية في العراق

Print

PDF version

علاء الدين علوان

 الخلاصـة: من المسائل الأساسية التي تواجهها أية دولة مسألة نوع نظام الرعاية الصحية التي يمكن تقديمها للمواطنين وكيفية تمويل هذا النظام. وتكمن أهمية هذه المسألة في أن النظام المعتمد يعكس القيم السائدة في تلك الدولة وأولوياتها الاجتماعية بالإضافة إلى نظامها الاقتصادي. تعرض هذه الورقة الخيارات المتاحة لتمويل نظام الرعاية الصحية في العراق، وهي خلاصة لآراء ووجهات نظر نوقشت في مناسبات عديدة، بين عامي 2005 و2004، وخاصة المؤتمر الوطني الأول حول الصحة في العراق الذي انعقد في بغداد في شهر آب/أغسطس 2004 وندوة تمويل القطاع الصحي التي نظمتها وزارة الصحة في عمَّان – الأردن في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2004.

Health-sector funding: options for funding health care in Iraq

ABSTRACT: One of the basic issues faced by a state is the system of health care delivered to the citizens and method of funding this system. The importance of this issue lies in the fact that an established system of health care reflects the values, social priorities and economic system of such a state. This paper presents the available options for funding the health-care system in Iraq. It is a summary of ideas and views discussed on several occasions between 2004 and 2005, especially at the First National Conference on Health in Iraq, held in Baghdad in August 2004, and the Health-Sector Funding Symposium, organized by the Ministry of Health in Amman, Jordan, in November 2004.

Financement du secteur de la santé : possibilités de financement des soins de santé en Iraq

RÉSUMÉ: L’un des principaux problèmes auxquels sont confrontés les États est le système de prestations de soins de santé aux citoyens et le mode de financement de ce système. L’importance de ce problème tient au fait que le système de soins de santé mis en place est le reflet des valeurs, des priorités sociales et du système économique de l’État. Le présent article passe en revue les options de financement du système de soins de santé en Iraq. Il résume les idées et points de vue débattus à plusieurs occasions de 2004 à 2005, notamment lors de la première conférence nationale sur la santé en Iraq qui s’est tenue à Bagdad en août 2004, et du colloque sur le financement du secteur de la santé organisé par le ministère de la Santé à Amman (Jordanie) en novembre 2004.

منظمة الصحة العالمية، جنيف، سويسرا (البريد الإلكتروني This e-mail address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it الاستلام: 02/06/08، القبول: 02/06/08 
Alaa Din Alwan, World Health Organization, Geneva, Switzerland
EMHJ, 2008, 14(6):1372-1379


المقدمة

يواجه القطاع الصحي في العراق تحديات هائلة. فقد عانى نظام الرعاية الصحية للمواطنين تدهوراً كارثيا في ظل النظام السابق مما أدى إلى ارتفاع معدلات الوفيات بين الرضع والأطفال والأمهات ارتفاعا كبيرا فضلا عن انخفاض معدلات العمر المأمول. ويواجه البلد عبئا مرضيا مزدوجا: فمن ناحية ما تزال الأمراض السارية تشكل سبباً أساسياً للمراضة والوفاة، في حين أصبحت الأمراض غير السارية السبب الرئيس للوفيات. وتكمن العوامل الرئيسة وراء هذه الحالة في التدهور المستمر في مستوى الصحة العامة خلال العقدين الماضيين، والزيادة المطردة في مستويات الفقر والبطالة، وتردي الحالة التغذوية، وسوء خدمات الصرف الصحي ومشكلات توفير المياه الصالحة للشرب، وتراجع مستويات التعليم فضلاً عن انتشار أنماط حياتية غير صحية. ولاشك في أن معالجة هذه الآثار والنتائج سوف يستغرق وقتاً طويلاً.

وقد عانت الخدمات الصحية  في العراق تدهوراً مماثلاً خلال الفتـرة ذاتها بعد أن كانت تمثل واحدة من أفضل الخدمات الصحية المتاحة في المنطقة. ومن العوامل التي أدت إلى هذا التدهور الخطير خفض الإنفاق وانعدام الصيانة والاستثمار وسوء الإدارة. وقد تفاقم الوضع سوءاً من جراء عمليات السلب والنهب والتدمير التي حدثت بعد الحرب.

وقد اعتمدت وزارة الصحة في النصف الثاني من عام 2004 رؤية مستقبلية للوضع الصحي ورسمت استـراتيجية أمدها أربع سنوات لإعادة تأهيل وبناء القطاع الصحي بالاستناد إلى عملية شاملة لتحليل الوضع الراهن أجريت في صيف 2004] 1[. وتم تقدير المبالغ اللازمة لتنفيذ استـراتيجية إعادة البناء بمليار دولار سنويا في الأقل إضافة إلى الميزانية السنوية الاعتيادية لوزارة الصحة والتي كانت تقدر حينذاك بنحو مليار دولار. ولاشك أن هذه التقديرات قد تغيَّرت الآن.

وفي ضوء هذه الرؤية،  فالحاجة ماسة لتوفير استثمارات إضافية ليس من أجل إصلاح الدمار والإهمال اللذين حلا بالقطاع الصحي في العقدين الماضيين فحسب، وإنما لمواجهة ضغوط أخرى  ناجمة عن أسباب أخرى. فحتى لو توفرت الأموال المطلوبة لتنفيذ أعمال إعادة التأهيل والبناء، فلابد من زيادة الإنفاق على القطاع الصحي بنسبة 55٪ على مدى السنوات الخمسة عشرة القادمة لمجرد مواكبة الاحتياجات الناجمة عن زيادة السكان، بما في ذلك الزيادة الحاصلة في أعداد المسنين ]2[. غير أنه من المهم أيضا أن ندرك بأن تمويل القطاع الصحي الجديد ينبغي أن يستند إلى تشخيص واقعي لما يمكن أن يتوفر من خدمات صحية تستطيع أن تتحمل كلفتها الدولة في ضوء الزيادة السكانية والموارد المتاحة بما في ذلك تقديرات الناتج المحلي للسنوات المقبلة.

وقد انكبت وزارة الصحة على القيام بتنفيذ مهمة إعادة بناء نظام الرعاية الصحية ومعالجة الأسباب الكامنة وراء تدهور الوضع الصحي للمواطنين. وتشخص الاستـراتيجية التي اعتمدناها عام 2004 والتي كانت ستمتد لأربع سنوات خمسة مجالات تتمتع بالأولوية القصوى:

  1. تلبية الاحتياجات الملحة وتحسين الخدمات
  2. تقوية الإدارة
  3. تطوير وتنفيذ خطة لإعادة البناء أمدها أربع سنوات
  4. التدريب وبناء القدرات
  5. تعبئة الموارد

 وتعد النقطة الخامسة – أي تعبئة الموارد – حاسمة بالنسبة إلى النقاط الأخرى إذ إنه ليس بالإمكان التعامل مع الأولويات الأخرى وتحقيق التحسينات المتوخاة دون توفر الموارد الكافية. ويتضمن توفير الموارد ليس فقط الأموال التي سيحصل عليها القطاع الصحي وإنما كيفية استخدامها بكفاءة وفاعلية أيضا.

معلومات عن خلفية تمويل الرعاية الصحية في العراق

لقد  طبق مبدأ تقديم الرعاية الصحية الشاملة والمجانية والممولة من العائدات الحكومية العامة في العراق منذ عقود عديدة. وفي وقت لاحق فرضت رسوم طفيفة يدفعها المستفيد، غير أن السياسة العامة بقيت دون تغيير حتى التسعينيات من القرن الماضي. فبعد فرض العقوبات الاقتصادية الدولية على العراق في عام 1990 انخفض الإنفاق الحكومي على الخدمات الصحية بصورة كبيرة واعتمدت سياسة التمويل الذاتي على أساس مشروع ريادي في البداية ولكنها اتسعت بحلول عام 1999 لتشمل المستشفيات جميعا ولتمتد في عام 2001 إلى جميع مراكز الرعاية الصحية الأولية أيضا.  وبموجب هذه السياسة كانت المستشفيات والمراكز الصحية تستوفي من المرضى الأجور لقاء العلاج والأدوية التي كانت تقدم إليهم. وكانت الأموال المستحصلة بهذه الطريقة تستخدم لتسديد النفقات التشغيلية للمستشفيات والمراكز الصحية بما في ذلك الرواتب وجزء من قيمة الأدوية.

وقد ألغيت هذه السياسة بعد حرب عام 2003 وأعيد العمل بنظام الرعاية الصحية الشاملة والمجانية. وفي الوقت نفسه زيدت تخصيصات الميزانية العامة للقطاع الصحي زيادة كبيرة جدا فارتفعت من 50 مليون دولار في عام 2002 (ما يعادل دولارين للفرد الواحد) إلى  1000 مليون دولار في عام 2004 (أي 39 دولار لكل فرد) ويمثل ذلك نحو 5.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وتتم في الوقت الحاضر تغطية تكاليف الرعاية الصحية العامة من خلال الإيرادات الحكومية بالإضافة إلى نسبة ضئيلة تأتي من خلال جباية الرسوم. كما يوجد هناك قطاع صحي خاص يتم تمويله عن طريق الأجور التي يدفعها المستفيد، غير أنه لا تتوفر معلومات كافية عن حجم هذا القطاع الخاص. وعلى الرغم من هذه الزيادة الكبيرة في ميزانية الصحة، فلا تزال نسبة الإنفاق الصحي على الفرد الواحد في العراق منخفضة جدا مقارنة بدول الخليج العربي حيث تبلغ نسبة الإنفاق في بعض البلدان نحو 800 دولار للفرد الواحد، وبالدول الأوروبية حيث يزيد معدل الإنفاق عن 2000 دولار. غير أنه من الجدير بالذكر أن نسبة الإنفاق الحكومي على القطاع الصحي مقارنة بإجمالي الناتج المحلي في العراق أعلى من غيرها من الدول المجاورة.  

 بعض الخيارات لتمويل نفقات الرعاية الصحية

هناك بصورة عامة ثلاثة خيارات لتمويل نفقات الرعاية الصحية:

  1. عن طريق الضرائب
  2. عن طريق الضمان الاجتماعي
  3. عن طريق استيفاء الأجور من المرضى مباشرة

كما يمكن الجمع بين خيارين أو الخيارات الثلاثة معا.

نظام تمويل قائم على الضرائب

إن النظام المطبق في العراق حالياً لتمويل الرعاية الصحية شبيه بنظام تمويل قائم على الضرائب. غير أن الفارق الوحيد هو أن التمويل الحكومي للقطاع الصحي مصدره عائدات النفط بدلاً من الضرائب في حد ذاتها. ولكن من المتوقع أن تحتل الضرائب نسبة أكبر من مجمل إيرادات الحكومة مستقبلاً.

يتمتع النظام القائم على الضرائب بعدد من المزايا. فهو يمثل طريقة سهلة وذات كفاءة لجباية الإيرادات وتوجيهها إلى القنوات المختلفة، كما أنه يوفر مصدرا ثابتا نسبيا لتمويل الرعاية الصحية. وهو من ناحية أخرى يتميز بالعدالة في التعامل مع مختلف المجموعات ذات الدخول الخاضعة للضريبة شريطة أن يكون نظام الجباية نفسه تصاعديا ( أي أن الأشخاص الأغنياء يدفعون نسبة من الضرائب أعلى مما يدفعها الفقراء أو الأقل ثراء).

وهناك ميزة أخرى إضافية لهذا النظام في العراق وهي أنه لا يتطلب إيجاد مؤسسات جديدة – إذ يوجد هناك بالفعل نظام ضرائبي في العراق لجباية العوائد، كما يوجد نظام لتوجيه الموارد وتوزيعها من خلال التعاون بين وزارتي المالية والصحة. كما أن هذا النظام يتطابق مع تطلعات المواطنين الذين اعتادوا على أن يتوقعوا من الدولة توفير الرعاية الصحية المجانية.

ومن المساوئ الرئيسة لنظام قائم على الضرائب هو أنه قد يكون من الصعب توفير موارد كافية عن طريق الضرائب أو عن طريق العائدات الحكومية العامة لمواجهة متطلبات ميزانية الصحة بكاملها. فضلا عن ذلك فان نظاما قائما على الاعتماد على الضرائب قد يتميز بالبيروقراطية وعدم الكفاءة ولا يقدم خيارات كثيرة – وذلك عائد بالدرجة الأولى إلى أنه مرتبط بالإدارة المركزية للجهة القائمة بتوفير الرعاية الصحية نفسها. كما قد يؤدي هذا النظام إلى خلق حالات من عدم المساواة من الناحية الجغرافية. وهناك أدلة متوفرة على حدوث هاتين الحالتين السلبيتين في ظل النظام الضرائبي القائم.

ومن الخيارات المتاحة لمواجهة بعض هذه الصعوبات هو تخصيص ضريبة معينة أو مصدر عائدات محدد لتذهب إلى القطاع الصحي حصرا وذلك لضمان وجود عوائد إضافية لهذا القطاع. فعلى سبيل المثال، يمكن فرض ضريبة معينة على السجائر وتخصيص عوائدها لميزانية الصحة على اعتبار أن التدخين يضر بالصحة ويفرض تكاليف إضافية على الخدمات الصحية.  إن من شأن فرض ضريبة على التدخين أن يشجع على التقليل من التدخين وفي الوقت نفسه يوفر مصادر عوائد إضافية.

الضمان الاجتماعي

يعد الضمان الاجتماعي البديل الرئيس لنظام تمويل قائم على الضرائب. ففي ظل نظام الضمان الاجتماعي تدفع اشتـراكات العمال والموظفين ومساهمة الحكومة إلى صندوق الضمان الاجتماعي مباشرة وتستخدم هذه الإيرادات لتغطية نفقات الرعاية الصحية. وتكون الاشتـراكات إلزامية وقد تبدو من هذه الناحية إنها لا تختلف كثيراً عن الضريبة المفروضة على الدخل أو الرواتب. غير أن هذه الاشتـراكات تكون أكثر شفافية وذلك لوجود علاقة مباشرة بين ما يدفع وبين استحقاقات الرعاية الصحية.  فضلاً عن ذلك يمكن أن تكون هناك عدة صناديق للضمان الاجتماعي مما يتيح المجال لوجود درجة معينة من حرية الاختيار. كما يمكن أن يسمح للناس أن يدفعوا مستويات مختلفة من الاشتـراكات مقابل التمتع باستحقاقات أو مجموعات مزايا مختلفة.

غير أن التحول إلى نظام الضمان الاجتماعي في العراق سوف يتطلب إقامة مؤسسات جديدة مما ينطوي بدوره على تعقيدات وتكاليف كثيرة. كما أنه في الوقت الذي سيكون من السهل جباية الاشتـراكات من الموظفين الحكوميين وبعض المؤسسات الكبرى، فان الجباية من المؤسسات الصغيرة وأصحاب المهن الحرة ستكون أكثر صعوبة، وقد يؤدي هذا النظام إلى حدوث مشكلات وتوترات في ما يخص نسبة المشاركة لكل من العاملين والمؤسسات والحكومة. وقد يكون هناك تشتت في التغطية واتساع حالات عدم المساواة في التغطية إذا وجدت مشاريع للضمان الاجتماعي تكون المزايا التي تقدمها لبعض المجموعات أفضل مما تحصل عليها المجموعات الأخرى.

 استيفاء الأجور

وأما الخيار الرئيس الآخر لتمويل النظام الصحي  فيقوم على أساس استيفاء أجور الرعاية الصحية من المرضى مباشرة. وقد كانت الأجور المستوفاة تشكل مصدراً رئيساً للموارد بالنسبة للمؤسسات الصحية تحت ظل نظام التمويل الذاتي قبل عام 2003.

ويمكن فرض أجور معينة على مختلف عناصر الرعاية الصحية  كالزيارة الأولية إلى الطبيب والأدوية وأجور الرقود في المستشفى. ومما يساند الرأي القائل بفرض الأجور هو إنها تحول دون سوء استخدام الخدمات الصحية وتجعل المستفيدين على بينة وإدراك من الكلفة الحقيقية للرعاية الصحية وتوفر الحوافز للقائمين بتوفير الخدمات الصحية لرفع مستوى الرعاية الصحية (على افتـراض أن الأجور المستوفاة تبقى تحت تصرف مقدمي الرعاية الصحية).

غير أن نظام الأجور يتصف بدرجة كبيرة من انعدام العدالة والمساواة ويحول دون حصول الفقراء والمصابين بالأمراض المزمنة على الرعاية المناسبة إذا لم يكن بإمكان هؤلاء توفير النفقات اللازمة. لذلك لا يمكن أن تكون الأجور المصدر الوحيد ولا حتى مصدراً رئيساً للموارد إذا كان أحد الأهداف الرئيسة لنظام الرعاية الصحية العامة هو توفير الرعاية الصحية للجميع.

وقد يكون السؤال الأكثر منطقيا هو هل يجب زيادة الأجور من مستواها الحالي لتكون مصدرا تكميليا للتمويل المخصص من الموارد العامة أو من اشتـراكات الضمان. وتكمن الصعوبة هنا في أنه إذا رفعنا الأجور إلى الحد الذي يكفي لتوفير موارد مهمة للقطاع الصحي (بعد طرح تكاليف الجباية) ويحول دون قيام المستفيد الاعتيادي بإساءة استخدام خدمات الرعاية الصحية، فان هذه الأجور ستكون أكثر مما يستطيع توفيرها المستخدم الفقير. ومن أجل التصدي لهذه القضية، ربما يكون بالإمكان رسم سياسة لاستثناء الفقراء من دفع الأجور، غير أنه لا توجد هناك آلية لهذا الغرض في العراق، كما أن سياسة الاستثناءات ستؤدي إلى ظهور كل أنواع التعقيدات وعدم المساواة. وتشير الدروس المستقاة من البلدان الأخرى التي طبقت نظام استيفاء الأجور إلى أنه من الصعوبة بمكان تحقيق توازن بين هذه الاعتبارات جميعا مما يؤدي في النهاية إلى عجز نظام استيفاء الأجور عن تحقيق الغاية الرئيسة المتوخاة من تطبيقه ألا وهي توفير عوائد إضافية وبمبالغ كبيرة للقطاع الصحي.

ويمكن أيضا الأخذ بعين الاعتبار فرض أجور إضافية مقابل تقديم خدمات إضافية مثل الرقود في غرفة خاصة، وتقديم وجبات طعام خاصة وتوفير جهاز تلفزيون في الغرفة. وقد طبقت هذه الأجور الإضافية في الدول الأخرى. كما قد يكون هناك مجال لاستيفاء الأجور من المرضى الخصوصيين الذين يستخدمون خدمات الصحة العامة على الرغم من أن ذلك ينطوي على تعقيدات إدارية.

 استنتاجات عامة

لقد أتفق المشاركون في ندوة التمويل الصحي التي تم تنظيمها في تشرين الثاني 2004 على أن التغطية الشاملة لجميع المواطنين هي إحدى نقاط القوة الرئيسة لنظام الرعاية الصحية في العراق ولابد من المحافظة عليها. 

كما اتفق المشاركون على أن التخصيصات الحكومية يجب أن تظل المصدر الرئيس لتمويل القطاع الصحي في العراق في المستقبل المنظور ولكن في الوقت نفسه لابد من التفكير في إيجاد سبل أخرى لتوفير موارد إضافية للقطاع الصحي لتمكينه من القيام بدوره التقليدي فضلا عن رفع مستوى الخدمات الصحية وتطويرها مثل تخصيص الإيرادات المتأتية من ضرائب معينة لتصب في تمويل القطاع الصحي أو زيادة الأجور المستوفاة من المرضى. كما يجب أن تركز الحكومة على الحصول على مردود أفضل عن طريق تحسين الإدارة ورفع كفاءة الأداء.

وعلى المدى البعيد، لابد من النظر في محاسن ومساوئ تطوير نظام للضمان الاجتماعي وكذلك النظر في إمكانية توفير الموارد المالية على مستوى المحافظات بوصفها جزءا من برنامج أوسع لتحقيق اللامركزية.

 تساؤلات أخرى مهمة مرتبطة بموضوع تمويل الرعاية الصحية

شراء خدمات الرعاية الصحية ( تسديد النفقات)

لاشك في أن مسألة كيفية تمويل نظام الرعاية الصحية في العراق مستقبلاً سوف تثير قضايا وأسئلة مهمة جدا للمناقشة. ولا يقتصر على ذلك فحسب، بل من التساؤلات المهمة التي ستثار أيضا ما يتعلق بنطاق ونوعية الرعاية الصحية التي يجب أن تقدم وما هي الإجراءات التنظيمية والمالية التي يمكن أن تحقق أكبر قدر من الفاعلية في هذا المجال؟

ماذا نشتـري؟

ليس بمقدور أية دولة في العالم أن تمول كل أنواع الرعاية الصحية لجميع مواطنيها وفي جميع الأوقات، إذ لابد من إجراء بعض المفاضلات بين ما يمكن تقديمه وما هي الأولويات، لاسيما في بلد ذي دخل متوسط مثل العراق. فعلى سبيل المثال، متى يجب توفير الموارد اللازمة لإجراء عمليات زرع الأعضاء وغيرها من التداخلات الجراحية الحديثة مجانا، أو لتمويل مشاريع تحسين خدمات الرعاية الصحية الأولية، وخدمات الطوارئ، أو هل يجب الاستمرار إلى ما لا نهاية في تقديم الخدمات للمرضى المعاقين أو المصابين بأمراض عقلية أو التخلي عن ذلك.

ويمكن الوصول إلى إجابات مفيدة على هذه التساؤلات والاتفاق على أفضل الخيارات المتاحة إما صراحة عن طريق إجراء حوارات عامة حول الخدمات التي يجب أن يقدمها نظام الرعاية الصحية، أو ضمنا من خلال القرارات التي تتخذ على مستويات اتخاذ القرار المختلفة داخل النظام الصحي نفسه بشأن طبيعة الخدمات التي يجب أن تمول أو ما هي المعالجات التي يجب أن تقدم للأفراد عندما تكون الموارد المخصصة للرعاية الصحية محدودة.

وينبغي لوزارة الصحة إتاحة المجال وتشجيع إجراء حوار مفتوح بشأن هذه القضايا في العراق للمساعدة في الاتفاق على أولويات الاستثمار والتطوير.  وقد بدأت الوزارة بالفعل هذه الممارسة في عامي 2004 و2005 من خلال نشر الوثيقة المعنونة ((  الصحة في العراق  )) محددة بذلك أولوياتها على المدى المتوسط. وهناك عدد كبير من القرائن والأدبيات على النطاق الدولي حول كلف وفاعلية مختلف التقنيات والمعالجات الصحية التي يمكن الرجوع إليها. والمطلوب من وزارة الصحة التعاون مع منظمة الصحة العالمية في توفير وإتاحة هذه الأدلة والقرائن والبيانات للمعنيين جميعا في مسعى منها لتسهيل إقامة الحوار ومن أجل تطوير المعايير المطلوبة لاتخاذ هذه القرارات الصعبة.

كيف تدفع التكاليف؟

في الوقت الراهن تقوم وزارة الصحة بإدارة وتمويل جميع المستشفيات الحكومية ومراكز الرعاية الصحية الأولية بطريقة مركزية، ويتم تخصيص الميزانيات حسب الفقرات (الرواتب، المواد، الخدمات، رأس المال). ولا توجد هناك معايير لتقييم الناتج أو الأداء، كما لا توجد حوافز للتحسن الذي قد يتحقق في الكفاءة والنوعية. فضلا عن ذلك فإن المسؤولية الإدارية ضعيفة جدا لأنه لا توجد هناك أسس لتقييم الأداء، ويكاد أن يكون الاستمرار في الوظيفة في القطاع الصحي مضمونا لجميع العاملين بغض النظر عن كفاءة ونوعية الأداء.

وقد يحاجج المرء بأن أكثر ما يحتاجه القطاع الصحي في الوقت الراهن هو إدخال الإصلاحات والتغييرات في هذه المجالات لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تحسين الخدمات. فالاتجاه العام للإصلاح في البلدان المشابهة حيث تكون الخدمات الصحية مدمجة عموديا هو تحقيق قدر أكبر من اللامركزية في المسؤوليات المالية والإدارية وتخويلها إلى المؤسسات الصحية المحلية واعتماد نماذج لدفع التكاليف مبنية على أساس النشاطات المتحققة والنتائج. ولو ذهبنا أبعد من ذلك، فإن بعض البلدان الصناعية قد اعتمدت مبادئ السوق ضمن إجراءاتها الخاصة بشراء الخدمات الصحية بهدف تشجيع المنافسة وحرية الاختيار بوصفها وسيلة من وسائل زيادة الإنتاجية.

وفي العراق هناك مبررات قوية تدفع باتجاه السير في هذا الاتجاه بغض النظر عن المقصد النهائي، ولابد من اتخاذ خطوات أولية في هذا المجال أيا كان السيناريو المستقبلي.  ومن هذه الخطوات تقوية الإدارة، وتطوير المهارات المالية، واللامركزية في المسؤوليات، وإنشاء أساليب الإدارة والتثبت من المسؤولية على المستوى المحلي. وتمثل هذه الخطوات واحدة من الأولويات الخمسة الأساسية وميادين العمل المعتمدة في استـراتيجية وزارة الصحة التي اعتمدناها في 2004 والتي نشرناها في كتاب الصحة في العراق بطبعتيه الأولى والثانية. كما يجب إصلاح مجال إدارة المعلومات لكي يمكن دعم هذه التغييرات، إذ يجب تحديد وجمع وتحليل البيانات اللازمة  لقياس النشاطات والنتائج في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية (أي إعداد المرضى الذين تم علاجهم ومعدلات الوفيات) بصورة دقيقة. كما يجب البدء باعتماد العناصر الأساسية لإدارة الأداء (معايير الأداء للمؤسسات والأفراد بالإضافة إلى اعتماد أسلوب محدد للتقييم).

ويمكن أيضا البدء بتطبيق إجراءات استيفاء الأجور وتعديلها على نحو تدريجي. وفي هذا المجال هناك بعض الآراء التي يمكن النظر فيها، غير أن السبيل العقلاني يكمن في البدء بتطبيق مبادرات صغيرة يكون من السهل نسبيا إدارتها – ربما في مجال الرعاية الصحية الأولية. فعلى سبيل المثال يمكن تطوير مشروع يتم بموجبه استيفاء الأجور لقاء الخدمات المقدمة في مجال الرعاية الصحية الأولية وذلك لإيجاد حافز لتطبيق أنظمة قياسية لمعالجة حالات مثل مرض الإسهال أو التهابات الجهاز التنفسي الحادة أو عند بلوغ الأهداف المحددة لمعدلات التلقيح أو غيرها من الأساليب الوقائية. كما يمكن اعتماد أسلوب الدفع حسب نسبة عدد الأفراد بهدف دعم التسجيل وحفظ السجلات. وعلى المستوى الأبعد قد يكون ممكنا التحرك نحو اتخاذ ترتيبات تعاقدية مع مقدمي الخدمات الصحية تقوم على أساس  مبدأ التسديد على أساس النتائج.

وقد تم الاتفاق خلال المؤتمر الوطني الأول حول الصحة في العراق الذي انعقد في قصر المؤتمرات في بغداد في شهر آب 2004 وكذلك في ندوة عمان أن المستشفيات العامة ومراكز الرعاية الصحية الأولية ستبقى المجهز الرئيس للرعاية الصحية على المديين المتوسط والبعيد وستبقى وزارة الصحة بوصفها الجهة الرئيسة التي تقوم بشراء تلك الخدمات. غير أنه لابد من إدخال تغييرات  في الإجراءات الإدارية والمالية بهدف تحسين الأداء. ومن الضروري أن تشتمل هذه التغييرات اعتماد معايير أكثر وضوحا للأداء والمسؤولية الإدارية، وطرق أكثر مرونة لرسم الميزانية ونظام للحوافز المادية لمكافأة التحسن في النتائج والنوعية. وأما على المدى البعيد فلابد لوزارة الصحة أن تنظر في موضوع التعاقد مع المجهزين من القطاعين العام والخاص لتقديم الخدمات من خلال وزارة الصحة، وهذا يتطلب الحاجة إلى تطوير القدرات والكفاءات اللازمة للتعاقد وإدارة العقود. كما يجب التفكير في إمكانية قيام وكالة مركزية مستقلة و/أو مجالس إقليمية تتولى مسؤولية شراء الخدمات الصحية.

القطاع الخاص

يقوم القطاع الخاص بدور رئيس ومتزايد في توفير الرعاية الصحية في العديد من البلدان في المنطقة. وأما في العراق فلا توجد هناك بيانات موثوق بها عن حجم هذا القطاع ولكن حسب المؤشرات المتوفرة فإن للقطاع الخاص دورا مهما في هذا المجال. و بموجب ما توافر من معطيات في عام 2005 فقد كان هناك نحو ألف سرير في المستشفيات الخاصة ولابد أن هذا العدد قد ازداد الآن وأن غالبية الأطباء العاملين في القطاع العام يقومون أيضا بالعمل وتقديم الخدمات بصورة خاصة. ويسدد المستفيدون (المرضى) الأجور بصورة مباشرة، إذ لم يتحقق بعد قيام سوق للتأمين الصحي الخاص في العراق.

ولابد من التأكيد على أن هناك بعض الفوائد من جراء وجود قطاع صحي خاص. فإنه يزيد من الخيارات المتاحة بالنسبة إلى المرضى كما أنه يساعد على إبقاء العاملين الأكفاء داخل البلد (وذلك من خلال تنمية مواردهم). كما أن القطاع الخاص يساعد على زيادة الموارد الكلية المتاحة للرعاية الصحية ويمكن أن يوفر حافزا تنافسيا للقطاع الصحي العام.

غير أنه يمكن أن تكون هناك بعض الظواهر السلبية سيما عندما يعمل عدد كبير من الأطباء في كلا القطاعين، إذ قد يؤدي ذلك إلى حدوث تضارب في المصالح.  وقد يؤثر القطاع الخاص في سلوك الأطباء، وفي التزامهم تجاه القطاع العام وفي الطريقة التي يتعاملون بها مع المرضى بصورة فردية.

وأحد الحلول الممكنة لمعالجة هذا الوضع هو منع الأطباء من العمل في كلا القطاعين . ولكن وفي غياب ظروف عمل أفضل في المؤسسات الحكومية فإن إيقاف عدد كبير من الأطباء عن العمل في القطاع العام قد يؤدي إلى نتائج عكسية. وقد يكمن الحل في منح حوافز مادية للأطباء  للتفرغ للعمل في القطاع العام والتوقف عن العمل في القطاع الخاص كلياً، غير هذا أن الحل قد يكون مكلفا.  وهناك حل ثالث يتلخص في تنظيم نشاطات القطاع الخاص والأشخاص الذين يسمح لهم بالعمل فيه. ويعد هذا الإجراء ضروريا لضمان نوعية الرعاية الصحية ولحماية الجمهور ولكن من المستبعد أن يكون له تأثير كبير على التنازع المحتمل في المصالح. و يكمن الحل الرابع في تنظيم إسهام الأطباء في القطاع الخاص على نحو أكثر فاعلية وربما مع الجمع بين ذلك وبين منح الأطباء مبالغ إضافية إذا امتنعوا كليا عن العمل في القطاع الخاص.

وبشكل عام فإن من الضروري إصدار أنظمة أكثر فاعلية لتنظيم العمل في هذا المجال غير أن ذلك يتطلب توافر معلومات أكثر عن القطاع الخاص قبل الدخول في نقاش حول دوره المستقبلي.

قضايا أساسية للمناقشة

تهدف هذه الورقة إلى استكشاف بعض القضايا المهمة بشأن تمويل خدمات الرعاية الصحية العامة، وإجراءات شراء الرعاية الصحية ودور القطاع الخاص. غير أنه من الضروري لوزارة الصحة وكل المعنيِّـين في المجال الصحي والمجالات الحكومية الأخرى مناقشة الموضوع بشكل معمق في ضوء ما ورد بالورقة من قضايا وأفكار وتشجيع المواطنين وممثلي المجتمع المدني والمنظمات المهنية والسياسية  للإدلاء بآرائهم للاستفادة منها قبل المضي قدماً في صياغة المقتـرحات في هذا المجال.

وتتضمَّن الأمور الأساسية التي ينبغي مناقشتها مع أجهزة الدولة الأخرى و ممثلي المجتمع الأسئلة التالية:

    1. هل يجب الاستمرار في تمويل الخدمات الصحية التي يقدمها القطاع العام عن طريق الإيرادات الحكومية العامة أو هل يجب أن يتوجه العراق نحو إقامة نظام للضمان الاجتماعي أو اعتماد نموذج مزدوج؟
    2. هل يجب اعتبار الضرائب المخصصة للقطاع الصحي مصدرا إضافيا للإيرادات؟
    3. ما هو دور الأجور المستوفاة لقاء تقديم الخدمات الصحية في تمويل القطاع الصحي العام؟  هل يجب زيادة هذه الأجور عن مستوياتها الراهنة؟ ما هي أوجه الخدمات التي يجب استيفاء الأجور مقابل تقديمها؟
    4. هل يجب على وزارة الصحة أن تحدد بوضوح ما هي الخدمات الصحية العامة التي يجب توفرها مجانا؟
    5. هل يجب تحديد المبالغ التي تستوفيها المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية على أساس معايير الأداء والمخرجات بدلا من تحديدها على أساس المدخلات؟
    6. هل يجب تنظيم عمل القطاع الخاص على نحو أدق وهل يجب اتخاذ الخطوات اللازمة لتحديد أي تنازع في المصالح بينه وبين القطاع العام؟

 المراجع:

(1)  الدكتور علاء الدين العلوان- الصحة في العراق: الوضع الصحي الراهن والرؤى الجديدة، وزارة الصحة، الطبعة الثانية -2005.
(2)  تقديرات البنك الدولي – ندوة تمويل الصحة في العراق