٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥، ريف دمشق، الجمهورية العربية السورية – في شارع هادئ بمدينة دوما، يكاد مجمَّع مشفى كبير أن يصبحُ مستعداً لليوم الذي سيعود فيه لاستقبال المرضى. لا تزال ممراته هادئة الآن، لكن في الداخل، تُتمُّ فرق من وزارة الصحة ومديرية صحة ريف دمشق ومنظمة الصحة العالمية الفحوصات النهائية لمشفىً كان في السابق يمثل شريان حياة لسكان أحياء الغوطة الشرقية.
قبل أن يتضرر مشفى دوما الوطني خلال سنواتٍ من الأعمال العدائية العنيفة، كان المشفى المرجعيَّ الرئيس للمنطقة، إذ كان يستقبل المرضى من جميع أنحاء الغوطة الشرقية وبعض مناطق ريف دمشق، وكان يقدم مجموعة واسعة من الخدمات الجراحية والطبية بما تضمنه من 175 سريراً و10 غرف عمليات، ولكن منذ عام 2012، أمسى المشفى خارج الخدمة واضطر سكان المنطقة للاعتماد على منشأة طوارئ صغيرة تضم غرفة عمليات واحدة وسريرين لمرضى العيادات الداخلية فقط.
واليوم، تشارف عملية إعادة تأهيل المشفى على الاكتمال، وتحت إشراف وزارة الصحة ومديرية صحة ريف دمشق وبدعم من منظمة الصحة العالمية، تم إصلاح بنية المشفى وإعادة تصميمه لاستعادة تقديم الخدمات الآمنة لنحو 550,000 شخص في دوما وما يقدر بـ 3 ملايين شخص في المناطق المحيطة، وقد تم هذا العمل بفضل الدعم الذي قدمته حكومة اليابان.
رعاية أكثر أماناً.. مشفى أكثر تخصصاً
يتألف المجمع المُعاد تأهيله الآن من كتلتين رئيستين وبنية تحتية مطورة للموقع، وستُضحي الكتلة (أ) مشفى متخصص للنساء والأطفال، وتضم نحو 30 سريراً، وتشمل غرفتي عمليات إحداها للعمليات العامة والأخرى للولادات، وغرف تعافي للولادات وما بعد الجراحة ومخبراً مجهزاً بالكامل ووحدة للعناية المركزة ووحدة رعاية حديثي الولادة وجناحاً لطب الأطفال، كما ستشمل خدمات التصوير الشعاعي للثدي والأشعة البسيطة والموجات فوق الصوتية لأمراض النساء والولادة.
وستحتضن الكتلة (ب) قسمَ الطوارئ العام والمصمم لمتابعة الحالات الحرجة بالقرب من منازل المرضى، وستشمل غرفة عمليات للطوارئ وأسرِّة عناية مركزة للطوارئ وأجهزة تصوير طبقي محوري والأشعة البسيطة الرقمية والمتنقلة والموجات فوق الصوتية ومخبر طوارئ مجهز بالكامل، بالإضافة إلى العيادات وغرف الإدارة.
ويقول د. معاذ أنور صيداوي، وهو جراح عام ومتخصص في جراحة الأوعية الدموية ومدير مشفى دوما الوطني: "نحن الآن في المراحل النهائية من تجهيز المشفى لاستئناف الخدمات، وبمجرد اكتمال عمليات التوظيف والتجهيزات سيتمكن المشفى مرة أخرى من استقبال معظم الحالات الطارئة، مثل التوليد وطب الأطفال والداخلية والإصابات والرضوض، ما يقلل من حاجة المرضى للسفر لمسافات طويلة لتلقي خدمات الرعاية الطبية."
مشفى مُصممٌ بأعلى معايير السلامة وسهولة الوصول استعداداً لمتطلبات المستقبل
ومنذ البداية، ركزت عمليات إعادة التأهيل على السلامة والجودة، إذ تم تصميم مخططات وأنظمة جديدة لتحسين القدرات على الوقاية من العدوى ومكافحتها، وخصصت مناطق للتعقيم وتحسين حركة المرضى في المشفى وإيجاد ظروف عمل أكثر أماناً للعاملين.
ويوضح د. معاذ أنور صيداوي قائلاً: "بمجرد استئناف مشفى دوما الوطني لتقديم الخدمات، ستُتَّبعُ إجراءات واضحة للسيطرة على العدوى وحماية كل من المرضى والعاملين الصحيين، وتشمل الخطط وجود فريق متخصص للتعقيم وتدريب الموظفين على الحماية الشخصية والتدبير الآمن للحالات الحرجة وضمان إجراء اللقاح والفحوصات الصحية الدورية للطاقم الطبي."
المهندسون السوريون جزء أساسي من عملية التعافي
فريق الهندسة داخل جناح مرضى العيادات الداخلية المُعاد تأهيله حديثاً والمجهز والمستعد لتقديم الخدمات للمرضى في المستقبل. حقوق الصورة: منظمة الصحة العالمية
ترى المهندسة ريما عودة المختصة بالهندسة الطبية، وهي إحدى المهندسين الذين عملوا في المشروع، أن إعادة التأهيل تشمل تكييف المبنى لاحتياجات مجموعات مختلفة من المرضى أيضاً، إذ تقول: "في دوما عدد كبير من السكان، وكان الناس هنا ينتظرون وجود مشفى يقدم الخدمات، وإن التصميم الجديد يلتزم بالمعايير الدولية ويركز كثيراً على اعتبارات إمكانية الوصول وراحة المريض، وخاصة كبار السن والأطفال وذوي الإعاقة."
ويضيف د. معاذ أنور صيداوي: "في المراحل النهائية من المشروع، كان مدى التعاون الوثيق بين فرق الهندسة التابعة لوزارة الصحة ومديرية صحة ريف دمشق ومنظمة الصحة العالمية واضحاً، وقد ساعدت الزيارات الدورية المشتركة والإشراف الدقيق والالتزام المشترك بالجودة في ضمان أن تلبي عملية إعادة التأهيل المعاييرَ العالمية لبناء المشافي."
استثمار مشترك في مستقبل الخدمات الصحية
تُمثل إعادة تقديم الخدمات في مشفى دوما الوطني بالنسبة لمديرية صحة ريف دمشق خطوة أساسية في استعادة إمكانية الوصول العادل إلى خدمات الرعاية الصحية بعد سنوات من الاضطراب.
يقول د. توفيق حسَابا، مدير مديرية صحة ريف دمشق: "إن إعادة تأهيل وتجهيز مشفى دوما الوطني هو استثمارٌ في صحة مجتمعاتنا لسنوات قادمة، فقد أصبح لدينا الآن، بدعم من حكومة اليابان، وتحت إشراف وزارة الصحة وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، منشأة جاهزة لتقديم خدمات حديثة وآمنة بمجرد تواجد الكوادر وتركيب المعدات والميزانيات التشغيلية، وإن أولويتنا المشتركة هي ضمان حصول سكان دوما والمناطق المجاورة على رعاية عالية الجودة بالقرب من منازلهم."
رافقت الفرق الفنية التابعة لمنظمة الصحة العالمية المشروعَ منذ مرحلة التصميم وحتى الاكتمال، لضمان توافق تخطيط المشفى والبنية التحتية والمعدات مع الأولويات الوطنية والمعايير الدولية.
يقول د. وائل إسماعيل، مسؤول الصحة العامة في منظمة الصحة العالمية: "إن مشفى دوما الوطني دليل على ما يمكن أن يتحقق عندما تركز الشراكات طويلة الأمد على إعادة بناء الخدمات الأساسية عالية الجودة، وليس على الاستجابة للطوارئ فحسب، وقد تمت إعادة تأهيل بنية هذا المشفى بدعم من اليابان، لتقديم خدمات الرعاية الطارئة والجراحية ورعاية التوليد وحديثي الولادة والأطفال عالية الجودة في المستقبل، والخطوة التالية هي استقدام العاملين الصحيين وتشغيل المعدات ودمج المشفى بالكامل في شبكة الإحالة الأوسع حتى يتحول هذا الاستثمار إلى خدمات ملموسة مقدَّمة إلى المرضى."
بعد التجديد.. مشفى على أبواب العودة للخدمة
إن المشفى بالنسبة للعديد من العاملين الصحيين في دوما أكثر من مجرد مبنى، فهو جزء من ذاكرة المدينة، فقبل أن يتضرر، كان المرضى المحتاجون لعمليات جراحية يأتون من أماكن بعيدة مثل القريَّا والضْمير لتلقي الرعاية المتخصصة هنا.
ويقول د. معاذ أنور صيداوي: "نأمل أنه بمجرد بدء تقديم الخدمات، سيستعيد مشفى دوما الوطني تدريجياً دوره كمشفى رئيس للجراحة والطوارئ في ريف دمشق، وإذا استمر الدعم اللازم لتوسيع بعض الأقسام وفتح وحدات جديدة والاحتفاظ بالكوادر المدربة، فيمكن للمشفى أن يعود مرة أخرى إلى دوره الريادي بين المشافي العامة في المحافظة."
في الوقت الحالي، إن الأجنحة وغرف العمليات ووحدات العناية المركزة جاهزة وتنتظر اليوم الذي ستمتلئ فيه بالمرضى والعائلات والعاملين الصحيين مرة أخرى، وإن إعادة تأهيل مشفى دوما الوطني خطوةٌ ملموسة نحو تعافي سوريا، وهو دليل على دعم الشركاء، بما فيهم اليابان، لمساعدة البلاد على إعادة بناء أسس نظامها الصحي.