رسالة المدير الإقليمي

طباعة PDF

أيها السيدات والسادة،

في السابع من نيسان/أبريل من كل عام يحتفل العالم بيوم الصحة العالمي. وتمثِّل هذه المناسبة في كل عام، فرصة طيبة، للتركيز على قضية هامة من قضايا الصحة العمومية، ولتشجيع النقاش والحوار، حول مختلف جوانب الوقاية من المرض، وتعزيز الصحة. ويومُ الصحة العالمي لهذا العام، يركِّز الأضواء على موضوع السلامة على الطرق، رافعاً شعار (( السلامة على الطرق لا يجوز أن تُتركَ للمصادفة )).

ومن الثابت، أن حجم عبء المرض الناجم عن الحوادث على الصعيد العالمي، قد تزايد من حوالي اثنَتَيْ عشْرةَ بالمئة عام تسعة وتسعين، إلى خمسة عشر بالمئة عام ألفَيْن. ومن المنتظر أن يرتفع هذا العبءُ الـمَرَضيُّ أكثر فأكثر بحلول عام ألفَيْن وعشرين. والإصابات الناجمة عن حوادث المرور على الطرق، على وجه الخصوص، آخذةٌ في التزايُد؛ بل إن من المتوقع أن تزداد سوءاً على سوء في السنوات القادمة. وتشير التنبؤات في هذا المجال، إلى أن حوادث المرور سوف ترتفع مـن المرتبة التاسعـة إلى المرتبـة الثالثة على سُلَّـم الأسبـاب المؤدِّية إلى ضيـاع مـا نسمِّيـه (( سنوات العمر المصحَّحة باحتساب مُدَد العجز )) (دالي DALY). ومن المقدَّر أن تصبح حوادث المرور بحلول عام ألفَيْن وعشرين، السبب المباشر لحوالي مليونَيْن وثلاثمئة ألف وفاة سنوياً؛ أي قرابة ضعفي عبء الوفيات الحالي، الذي يصل إلى مليون ومئتي ألف وفاة في كل عام. والجانب المقلق في هذه القضية، هو أن المنتظر أن يحدث تسعون بالمئة من هذه الوفيات في أقل البلدان استعمالاً للسيارات والمركبات الآلية.

ويتزايد في بلدان إقليم شرق المتوسط، خطر الوفاة والعجز، الناجمَيْن عن حوادث الطرق، بصورة عامة، كلما زاد دخل الفرد. ويتراوح خطر الوفاة بسبب حوادث الطرق في الإقليم، استناداً إلى المعطيات المتاحة، بين ثماني وفيات في كل مئة ألف نسمة في اليمن، إلى أربع وعشرين وفاة في سلطنة عُمان. أما معدلات الوفيات لكل عشرة آلاف مركبة فتبلغ أقصاها في الجمهورية العربية السورية، حيث تبلغ ستاً وثلاثين وفاة لكل عشرة آلاف مركبة، وأقلها وأدناها في البحرين حيث لا يزيد الرقم على ثلاث وفيات لكل عشرة آلاف مركبة. على أننا لو قارنَّا هذه الأرقام بالأرقام في بلدٍ متقدمٍ كالمملكة المتحدة التي يبلغ المعدل فيها وفاة واحدة ونصفاً لكل عشرة آلاف مركبة، لتأكَّد لسكان الإقليم، وبكل وضوح، أنهم أشد تعرُّضاً للموت من جرَّاء حوادث الطرق. ولقد جاء في تقرير الصحة العالمية، لعام ألفَيْن وثلاثة أن ما مجموعه مئة واثنان وثلاثون ألف وفاة قد حدثت عام ألفَيْن واثنين في إقليم شرق المتوسط، بسبب حوادث الطرق وحدها.

وكما تلاحظون، فإن مشكلة حوادث المرور أشد وطأة في سلطنة عُمان، فالبيِّنات المنشورة من خلال موقع الشرطة الملكية العُمانية على شبكة الإنترنت تظهر أن أكثر من ثلاثمئة شخص في عُمان قد لقوا حتفهم من جرَّاء حوادث المرور خلال عام 2003، وأن آلافاً أخرى قد تعرَّضت للإصابة.

والأنكى من ذلك، أن أشد عابري الطرق تضرُّراً وأذى في الإقليم، هم المشاة وراكبو الدراجات، ومستخدمو وسائط النقل العامة. وإصابات حوادث المرور تحتل المرتبة الثانية بين الأسباب المفضية إلى الموت بين الأطفال وأولئك الذين بلغوا سِنَّ العمل والإنتاج. وتترتَّب على الإصابات، وما تخلِّفه من حالات العجز، نتيجة لحوادث المرور، عواقب اقتصادية واجتماعية بالغة السوء، سواء بالنسبة للشخص المصاب، أو عائلته، أو مجتمعه، أو بلده. إذ يقدَّر ما تتكلفه حكومات البلدان النامية، نتيجة لهذه الحوادث بما يتراوح بين واحد بالمئة واثنين بالمئة من إجمالي الناتج القومي سنوياً. وهذا يعني خسارة تصل إلى قرابة خمسمئة وعشرين بليون دولار أمريكي في كل عام. وهو ما يعادل أكثر من مجموع المساعدات الإنمائية التي تحصل عليها البلدان النامية. ويقدِّر البنك الدولي أن التكاليف التي تكبَّدتها الحكومات في إقليم شرق المتوسط، بسبب حوادث المرور، في عام تسعة وتسعين فقط، تزيد على سبعة بلايـين ونصف البليون دولار أمريكي.

أيها السيدات والسادة،

إن في الإمكان اتِّقاء إصابات المرور والوفيات الناجمة عنها. وثـَمَّة عدد كبير من الاستراتيجيات الفعَّالة، التي تم وضعها وتنفيذها في البلدان المتقدمة. ولقد لوحظ حدوث تراجُع بطيء ولكنه مطَّرد في عدد الحوادث في تلك البلدان. على أن نمط الإصابات الناجمة عن حوادث المرور في البلدان النامية، يختلف اختلافاً كبيراً عن الأنماط السائدة في العالم المتقدِّم. ثم إن في البلدان النامية مشكلات كثيرة، كضعف المعطيات، وتدنِّي الأولوية السياسية، وما ينتهجه مستخدمو الطرق من سلوكيات محفوفة بالخطر، وانعدام التنسيق بين القطاعات، وتضارب المصالح السياسية والاقتصادية في مجال النقل على الطرق ورداءة الطرق نفسها، وسوء تنفيذ القوانين، تتضافر جميعاً لتهيئة الجو لجملة من المخاطر التي تواجه الإنسان على الطرق. وفي ضوء هذه المشكلات، فإنه ليس من المجدي أن نقتبس استراتيجيات الوقاية وتقنيَّاتها وسياساتها من البلدان المتقدمة، ونطبِّقها كما هي في العالم النامي.

ولكن على الرغم مما تقدَّم، فإنه لا يجوز أن تثنينا هذه الصورة القاتمة، بحال من الأحوال، عن المبادرة إلى الاستجابة المناسبة، التي من شأنها أن تخطط من معاناة شعوب الإقليم، من جهة، والحيلولة دون وقوع الخسارة الاقتصادية والاجتماعية، من جهة أخرى.

و إنه لمن دواعي سروري وشعوري بالفخر أن تكون سلطنة عُمان هي الدولة التي أخذت زمام المبادرة والمبادءة لوضع قضية السلامة على الطرق في دائرة الاهتمامات العالمية. فقد كان للدور الريادي الذي اضطلع به جلالة السلطان قابوس بن سعيد، ومسئولي السلطنة ، الذي هو مبعث أمل واعتزاز لنا في الإقليم، ثماره التي تمثَّلت في وضع قضية السلامة على الطرق في موقع متقدِّم على جدول أولويات الجمعيـة العموميـة للأمم المتحدة، أكبر منتدى سياسي عالمي، فأكسبتها زخماً دولياً كانت في أمسّ الحاجة إليه وقـامت بدور كبير في زيـادة الوعي العالمي بالتأثير المدمـر الآخذ في التزايد لحوادث المرور، ولاسيَّما في بلدان العالم النامي. وعلى إثر ذلك، تبنَّت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قراراً خاصاً (برقم 58/9) بشأن الأبعاد العالمية لمشكلة حوادث المرور، وأعلنت منظمة الصحة العالمية تخصيص عام 2004 للسلامة على الطرق. ويسعدني أن أشيد في هذا المجال بأسبوع المرور الذي يُحتفل به في سلطنة عُمان تحت شعار ((السلامة على الطرق مسؤولية الجميع )) والذي أسهم في تمهيد الطريق أمام الشعب العُماني وسائر شعوب الإقليم لمكافحة هذا الخطر الداهم.

وإدراكاً من منظمة الصحة العالمية لما تنطوي عليه هذه المشكلة من طبيعة حرجة، فإنها لا تدخر وسعاً في حشد جهود الحكومات، والمنظمات والمجتمعات للتصدِّي لها بصورة فعَّالة ومؤثـِّرة. وقد تم اختيار موضوع (( سلامة الطرق)) لحملة يوم الصحة العالمي لعام ألفَيْن وأربعة، بهدف إثارة اهتمام مختلف الهيئات والمجتمعات، والمنظمات المعنيَّة بالأمر، وحثها على ابتكار الاستراتيجيات اللازمة لمكافحة هذا الخطر الداهم. ويصدر بمناسبة يوم الصحة العالمي أيضاً، التقريرُ العالمي المشترك بين منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، حول الوقاية من إصابات حوادث المرور. والغرض من هذا التقرير، هو إعطاء تقدير شامل لكل ما يُعرف عن جسامة هذه المشكلة التي تشارك فيها قطاعات عدة، وعن مدى تأثيرها، وعن الاستراتيجيات المتاحة للوقاية منها. أما على الصعيد الإقليمي، فقد بادر العديد من بلدان الإقليم، إلى العمل على التصدِّي للمشكلة، وعلى خفض حجم عبء الوفاة والعجز الناجم عن إصابات حوادث الطرق. وهذه البلدان هي: جمهورية إيران الإسلامية، وجيبوتي، وسلطنة عُمان، ومصر، والمملكة العربية السعودية.

أيها السيدات والسادة،

ليس يوم الصحة العالمي، مجرَّد حدث احتفالي وكفى، وإنما هو التزامٌ بقضية، وسعيٌ صادقٌ نحو هدف نبيل، ووعدٌ بتحقيق مستقبل أفضل. والوقاية من إصابات حوادث المرور، تعتمد على قطاعات مختلفة، تدخل في عدادها الحكومات، والمنظمات اللاحكومية، ووسائل الإعلام، ومؤسسات القطاع الخاص، والمجتمعات المحلية والمدارس، وقطاع النقل، وقطاع الصحة. ومسألة رفع درجة الوعي لدى كافة الجهات المعنيَّة بالأمر، إنما هي شرط لازم للوقاية من إصابات حوادث الطرق. ومن هنا، تقضي الضرورة، بالتركيز على سلوك كافة الذين يستخدمون الطرق، وعلى تحسين البـِنْيَة الأساسية للمركبات، وضمان مأمونيتها، وحُسْن صيانتها. ومن المتطلبات الحاسمة في هذا الصدد، تحقيق التزام الأفراد بتوخِّي السلامة لأنفسهم، وللركاب الذين يشاركونهم استعمال المركبات، ولسائر الذين يستخدمون الطرق، بمن فيهم المشاة؛ وكذلك التزامهم بتحرِّي إمكانيات العثور على حلول جديدة، من خلال العمل على زيادة القدرات المتاحة في المجتمع.

وما الاحتفال بيوم الصحة العالمي، إلا بداية لحملة عالمية تستمر عاماً كاملاً، وتهدف إلى الوقاية من حوادث المرور على الطرق. فلنوجِّه جهودنا ونعمل يداً بيد، حتى يتمكَّن أطفالنا وأولياؤهم كلَّ يوم، من العودة إلى منازلهم بطمأنينة وسلام. وإنني لعلى مثل اليقين، من أننا قادرون على فعل الكثير في هذا السبيل بإذن الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

الدكتور حسين عبد الرزاق الجزائري
المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط