17 نيسان/ أبريل 2025
أصحابَ المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
إنه لمن دواعي سروري أن أنضم إليكم هنا اليوم في افتتاح مؤتمر التحوُّل في مجال الرعاية الصحية لأمراض القلب والأوعية الدموية في الشرق الأوسط.
إننا نعيش في إقليم نابضٍ بآلاف القلوب المنفطرة حزنًا وكمدَا. ويكفي أن تستمع إلى الأخبار لينكسر قلبك في اليوم الواحد مليون مرة.
ولكن انكسار القلب الحقيقي يكمن في الواقع المرير الذي تعيشه العائلات النازحة في السودان والجمهورية العربية السورية، والمدنيون تحت قصف النيران في غزة، والمرضى المصابون بأمراض مزمنة في اليمن، فجميعهم يعانون دون الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.
فالأمراض غير السارية، ومنها أمراض القلب والأوعية الدموية، لا تأخذ هدنة أثناء المحن والأزمات. وفي أوضاع النزاع، كثيرًا ما يجد الناس الصيدليات خاوية، ويعانون من الإجهاد أوقاتًا ممتدة، وتضيق بهم سُبل الحصول على الأطعمة المغذية أو المساحات الآمنة لممارسة أي نشاط يبقيهم على قيد الحياة.
وفي تلك الأوضاع، غالبًا ما يتضاعف عدد حالات دخول المستشفى بسبب أمراض القلب إلى الضعف أو ثلاثة أضعاف بسبب الافتقار حتى إلى الرعاية الأساسية.
ولكن هذه الأزمة لا تقتصر على البلدان التي مزقتها النزاعات. فأمراض القلب والأوعية الدموية وغيرها من الأمراض غير السارية تؤثر على النُّظم الصحية في إقليمنا بأسره.
وقد يكون من المدهش أن يعرف البعض أن النزاعات أو الكوارث الطبيعية أو الفيروسات ليست هي المسؤولة عن إزهاق الأرواح، بل إن أمراض القلب هي السبب في ذلك.
ولا تزال أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الأول للوفيات في العالم، إذ تحصد أرواح 18 مليون شخص كل عام. ومما يبعث على القلق أن 9% من هذه الوفيات تحدث في إقليم شرق المتوسط.
وينوء إقليمنا بالعبء الأكبر لأمراض القلب والأوعية الدموية على مستوى العالم، مع وجود أكثر من 50 مليون حالة في عام 2019، مع توقعات بارتفاع هذا العدد إلى أكثر من الضعف ليبلغ 108 ملايين بحلول عام 2045 ما لم تُتخذ إجراءات فعَّالة.
ونحن في هذا المضمار نخوض سباقًا مع الزمن للنجاح في هذا التحدي، ولدينا الفرصة الحقيقية لذلك.
فبالرغم من أن أمراض القلب هي أكثر الأمراض فتكًا بالأرواح في العالم، فهي ما زالت واحدة من أكثر الحالات التي يمكن الوقاية منها.
فوفقًا للدراسات، يمكن الوقاية من 86% من الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية أو تأخيرها من خلال تحسين جودة إدارة المخاطر والوقاية والعلاج.
ومن أجل مواجهة هذا الوباء، ينبغي التركيز على التصدي للعوامل المسببة: وهي السمنة وارتفاع ضغط الدم والسكري، التي تنجم عن اتباع عادات غذائية غير صحية، والخمول البدني، وتعاطي التبغ، وتلوث الهواء.
إذ تشير البيانات إلى أن في إقليمنا حاليًّا 90 مليون شخص يتعاطون التبغ. يعاني 185 مليون شخص بالغ من فرط الوزن أو السمنة. وكذلك 73 مليون مريض بالسكري، وهو ما يجعل إقليمنا الأعلى عالميًّا في انتشار هذا المرض.
وفي كثير من الأحيان، تظل عوامل الخطر تلك بلا اكتشاف أو علاج، وغالبًا ما تؤدي إلى تلف كان يمكن الوقاية منه.
إذن، ما السبيل لمواجهة هذا التحدي؟
فربما كان تعزيز النُّظُم الصحية جزءًا من الحل - لكنه لا يكفي.
نحن بحاجة إلى استجابة تشمل المجتمع بأسره، مثل:
المدن الصحية؛
والهواء الأنظف؛
والأطعمة المغذية الميسورة التكلفة والمتاحة؛
والقواعد التنظيمية التي تضع الصحة في المقام الأول.
وفي هذا المجال، أعدت المنظمة أدوات تقنية مثل حزمة مبادرة هارتس (HEARTS)، ومجموعة التدابير الستة لمكافحة التبغ، وحزمة SHAKE التقنية للحد من استخدام الملح، وهي حُزم تتيح تدخلات عالية التأثير وميسورة التكلفة تساعد في التدبير العلاجي لارتفاع ضغط الدم، والحد من تعاطي التبغ، وتحسين صحة القلب والأوعية الدموية. وتُستخدم هذه الأدوات في مرافق الرعاية الأولية في جميع أنحاء الإقليم.
وثمة تحدٍّ كبير آخر يكمن في إتاحة الأدوية الأساسية. وفي هذا الصدد، تعمل المنظمة مع البلدان على تحسين قدرتها على تحمل التكاليف وتعزيز توافر الأدوية من خلال الإنتاج المحلي، وتعزيز القواعد التنظيمية، وتحديث سلاسل الإمداد، والشراء الإقليمي المُجمَّع.
ونعكف أيضًا على التصدي للمشكلات البيئية المتعلقة بالصحة. حيث تشمل شبكتنا للمدن الصحية 121 مدينة في 15 بلدًا - بما يعزز صحة المجتمع، ويبني نُظمًا قادرة على الصمود أمام تغير المناخ.
وفي حالات الطوارئ، نعمل على سد الثغرات. فمنذ عام 2017، وُزِّع أكثر من 6500 مجموعة أدوات طارئة للأمراض غير السارية في الأوضاع الهشة - تدعم كل مجموعة منها علاج 10 آلاف شخص لمدة ثلاثة أشهر.
ويجب على البلدان أن تعطي الأولوية لتمويل جهود الوقاية، والحصول على الرعاية، ونُظم الرصد القوية. وهذا ليس جوهر السياسات الصحية السليمة فحسب، بل هو أساس الاقتصادات الزاهرة.
وفي مقابل كل دولار يُستثمر في التدخلات الخاصة بالقلب والأوعية الدموية والسكري، يتحقق عائدٌ قدره ثلاثة دولارات في الإنتاجية والتوظيف وانخفاض تكاليف الرعاية الصحية.
ويمكن أن يُدِرّ تنفيذ “أفضل الخيارات” في مجال الأمراض غير السارية أكثر من 230 مليار دولار أمريكي من العوائد الاقتصادية والاجتماعية للبلدان ذات الدخل المنخفض بحلول عام 2030.
إن الطريق واضح وممهَّد أمامنا نحو القضاء على وباء أمراض القلب والأوعية الدموية، لكننا بحاجة إلى إرادة سياسية صلبة، واستثمار مستدام، وتضامن إقليميّ. وحينئذٍ نستطيع -بمشيئة الله وعونه- أن ننهض بنُظمنا الصحية من أجل حماية قلوب مجتمعاتنا.
وقبل أن أختتم كلمتي، أود أن أُثني على التقدم الذي أحرزته المملكة العربية السعودية في مجال الأمراض غير السارية، لا سيما أمراض القلب. والجهود التي تبذلها وزارة الصحة لتحسين إتاحة الأدوية، وتشجيع ممارسة النشاط البدني، وتعزيز مكافحة تعاطي التبغ، وتحسين جودة الأغذية من خلال تنظيم الملح والدهون المهدرجة، هي خير مثال لما يمكن أن يفعله باقي الإقليم.
ومنظمة الصحة العالمية باقية على عهدها في تقديم الدعم لكم ولسائر بلدان الإقليم في كل خطوة تخطونها قُدُمًا.
شكرًا لكم.
|