من جناح المرضى إلى قاعات التعلم، ممرضات سوريات يكتبن فصلاً جديداً في رعاية مرضى سرطان الطفولة

١١ كانون الأول ٢٠٢٥، الجمهورية العربية السورية – في جناح أورام الأطفال في مشفى حلب الجامعي، تسير الممرضة نور الهدى اليازجي بهدوء بين الأسرّة، تفحص أنابيب المحاليل الوريدية وتضبط الجرعات وتنحني لترى الابتسامات الخجولة على شفاه الأطفال الذين تعلموا أن يثقوا بها.

على مدى ستة عشر عاماً، قررت نور أن تظل في هذا الجناح، مكان الألم والتطور والأمل العنيد. لم يكن التمريض بالنسبة إليها مجرد وظيفة مطلقاً، بل هو التزام بالسير إلى جانب الأطفال وعائلاتهم خلال بعض أصعب أيام حياتهم.

ممرضات من حلب وإدلب واللاذقية ودمشق شاركن في التدريب الوطني لمدربين في مجال تمريض أورام الأطفال في وحدة بسمة المتخصصة، مشفى البيروني الجامعي في حرستا، دمشق. حقوق الصورة: منظمة الصحة العالميةممرضات من حلب وإدلب واللاذقية ودمشق شاركن في التدريب الوطني لمدربين في مجال تمريض أورام الأطفال في وحدة بسمة المتخصصة، مشفى البيروني الجامعي في حرستا، دمشق. حقوق الصورة: منظمة الصحة العالمية

مؤخراً، جاء بها هذا الالتزام من حلب إلى دمشق، حيث خضعتت لبرنامج تدريبي وطني جديد لمدربين في مجال تمريض أورام الأطفال، وهو الأول من نوعه في سورية.

برنامج تدريب وطني من واقع الميدان التمريضي

بين ٢٦ تشرين الأول و٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥، اجتمعت ممرضات من وحدات أورام الأطفال في حلب وإدلب واللاذقية ودمشق في وحدة بسمة المتخصصة في مشفى البيروني الجامعي في حرستا لحضور دورة تدريبية مكثفة.

يهدف البرنامج، الذي أعدَّته وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومشفى البيروني الجامعي وجمعية بسمة ومنظمة الصحة العالمية بمشاركة شركاء دوليين بمن فيهم منظمة سرطان الطفولة الدولية، يهدف إلى رفع مستوى المهارات الأكاديمية والسريرية لممرضات أورام الأطفال وتحسين جودة الرعاية التي يقدمونها للأطفال المصابين بالسرطان في سورية.

وعلى مدار أربعة أسابيع، أتمت الممرضات ٢٠ ساعة من التدريب النظري و٨٠ ساعة من العمل العملي التطبيقي، وأتقنّ أكثر من ٨٠ مهارة سريرية، بدءاً من تحضير العلاج الكيميائي الآمن والوقاية من العدوى إلى التعامل مع خطوط أنابيب التسريب المركزية ومراقبة العلامات الحيوية والاستجابة للطوارئ، كما شاركن في ٤٠ ساعة من الجولات المشتركة ومناقشات الحالات (الجلسات السريرية) مع الفريق الطبي الكبير، ما يعكس واقع العمل اليومي في وحدة أورام مزدحمة.

هدف التدريب واضح: سترجع كل ممرضة إلى محافظتها وثقتها بنفسها بشأن مساعدة المرضى أكبر، ولكنها ستكون مستعدة لتدريب زميلاتها ونشر المستجدات التي تعرفت عليها وتعزيز الرعاية في جميع أنحاء البلاد أيضاً.

الممرضة نور الهدى اليازجي، ممرضة أورام أطفال، أثناء التدريب في دمشق. حقوق الصورة: منظمة الصحة العالميةالممرضة نور الهدى اليازجي، ممرضة أورام أطفال، أثناء التدريب في دمشق. حقوق الصورة: منظمة الصحة العالمية

تقول نور: "كان عملنا ينحصر في استخدام أنابيب التسريب الوريدية ومراقبة السوائل بينما يتولى الأطباء العمليات الحسابية والقرارات، أما خلال التدريب فقد تعلمنا كيف نفهم خطط العلاج نفسها، أي دور كل دواء وكيفية حساب الجرعات والآثار الجانبية التي تجب مراقبتها. لقد غيّر ذلك من نظرتي لدوري كممرضة."

إتقان مهارات الرعاية الشمولية للطفل

تضم وحدة بسمة المتخصصة، التي افتُتحت عام ٢٠٠٩، الآن ٤٠ سريراً لمرضى العيادات الداخلية و١٢ سريراً للرعاية النهارية، إلى جانب خدمات العناية المركزة والرعاية التلطيفية وبرامج متخصصة لسرطان العظام أو العين، وتستقبل الوحدة يومياً أطفالاً وعائلات من جميع أنحاء سورية، يخوضون رحلة تشخيص جديدة وجداول علاج معقدة وإقامات طويلة بعيداً عن ديارهم.

وبالنسبة لنور، كان أحد أهم أقسام التدريب هو التركيز على الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال ولعائلاتهم. تقول: "بعض الأطفال يتقبلون العلاج بسرعة، بينما يخاف آخرون ويلزمهم وقت للشعور بالثقة. ناقشنا في التدريب موضوع التواصل كثيراً، أي كيفية شرح ما يجري للأطفال بطرق يستطيعون فهمها وكيفية دعم الآباء عندما يشعرون بالإرهاق وكيف نكون حاضرين حتى عندما يكون لدينا العديد من المرضى الذين يجب أن نقدم لهم الرعاية."

جاءت جلسات التواصل والدعم النفسي الاجتماعي والرعاية التلطيفية ومعها محاضرات عن العلاج الكيميائي والجراحة والعلاج الإشعاعي والوقاية من العدوى ومتلازمة تحلل الأورام، ما يُبين أن رعاية سرطان الطفولة لا تتعلق أبداً بالأدوية والأجهزة فقط.

قالت نور: "لقد ذكَّرنا التدريب أن التمريض في مجال أورام الأطفال يجب أن يكون أكاديمياً وإنسانياً بعمق، إذ يجب أن نعتني بجسد الطفل وروحه في الوقت نفسه، كما يجب أن نُهيئ أنفسنا عاطفياً لهذا العمل."

في قسم أورام الأطفال بمشفى جامعة حلب، لا يوجد حالياً سوى خمسة ممرضات لتأدية العمل في الجناح الذي يستقبل ما بين مريضين إلى خمسة مرضى جدد كل يوم، بالإضافة إلى نحو خمسة عشر طفلاً يحضرون جلسات العلاج بانتظام. تدرك نور أن لكل معلومة تحملها معها أهمية.

وتضيف قائلة: "ما زلنا بحاجة إلى المزيد من التدريبات لخدمة مرضانا بشكل أفضل، فكل ما نتعلمه ينعكس في حياة طفل صغير ينتظر الشفاء. إن شاء الله سأنقل ما تعلمته إلى زملائي، لأننا جميعاً نعمل لتحقيق هدف واحد، وهو منح الأطفال أفضل فرصة ممكنة للشفاء."

عالم الغد كما تتخيله زهراء على الورق

في مشفى البيروني الجامعي في دمشق، تُجري ممرضة أورام أطفال فحصاً روتينياً للطفلة زهراء البالغة من العمر 11 عاماً خلال تلقيها العلاج الكيميائيفي مشفى البيروني الجامعي في دمشق، تُجري ممرضة أورام أطفال فحصاً روتينياً للطفلة زهراء البالغة من العمر 11 عاماً خلال تلقيها العلاج الكيميائي

من بين الأطفال الذين تتقاطع حياتهم مع هذا التدريب، الطفلة زهراء سليمان البالغة من العمر 11 عاماً.

في غرفة اللعب، غالباً ما ترى زهراء وهي تحمل أقلاماً ملونة في يديها وثمة آثار وردية على أطراف أصابعها. الوردي هو لونها المفضل، وتختاره لتلوين الزهور والفساتين والقلوب الكبيرة التي ترسمها للذين تحبهم.

ومن بين هؤلاء "نغم"، الطبيبة التي تتحدث عنها كصديقة، والدكتور خالد، الذي تصفه بأنه "طيب جداً". كما تذكر الدكتورة ديما بعاطفة الطفل العفوية التي تظهر الروابط القوية التي تربطها مع البالغين من حولها. الجناح مليء بالإبر والفحوصات والساعات الطويلة، لكنه بالنسبة لزهراء مكان للحكايات والنكات والرسومات المعلقة على الجدران أيضاً.

ضحكتها تخفي قصة بدأت بأوجاع في مفاصلها

في البداية، اعتقد والدها أن الأمر بسيط، مجرد شكوى كالتي يعاني منها العديد من الأطفال بعد اللعب لفترة طويلة، ولكن مع استمرار الألم، انتقلت العائلة من عيادة إلى أخرى في إدلب باحثة عن إجابات. استبعدت الفحوصات الالتهابَ، ولم يتمكن طبيب الأعصاب من العثور على تفسير. أخيراً، طلب طبيب أمراض الدم إجراء فحص لنخاع العظم.

يتذكر والدها قائلاً: "بعد أيام قليلة، اتصل بي الطبيب على وجه السرعة. عندما وصلت، قال لي: 'زهراء مصابة بابيضاض الدم.' شعرت وكأن العالم توقف. كنا نعتقد أن الأمر بسيط. لم نكن مستعدين لسماع كلمة 'سرطان'."

ونظراً لعدم وجود العلاج الكيميائي في إدلب أو حلب في ذلك الوقت، سافرت العائلة إلى مشفى البيروني في دمشق، حيث تم تأكيد التشخيص وبدأت رحلة علاج زهراء. بعد الجرعة الأولى من العلاج الكيميائي، انخفضت مناعتها وأصيبت بالحمى، ما استدعى إدخالها إلى المشفى بشكل متكرر.

وبعد مرور عشرة أشهر، لا تزال زهراء تخضع للعلاج، بناء على خطة من المتوقع أن تستمر لمدة عامين ونصف، تليها فترة متابعة علاج إضافية. وقد انتقلت العائلة من إدلب إلى حرستا واستأجرت منزلاً صغيراً وألحقوا أطفالهم الآخرين بمدارس قريبة ليكونوا قريبين من المشفى ولتخفيف عبء السفر، كما التحقت زهراء نفسها بمدرسة هناك، متلهفة للتعلم إلى جانب الأطفال الآخرين كلما سمح لها وضعها الصحي بذلك.

يتحدث والدها بفخر وهدوء: "على الرغم من كل شيء حدث، لا تزال زهراء تبتسم. إنها تحب معلميها وأصدقاءها والأطباء، وعندما ترسم، يمكنك أن تراها تتناسى الألم لبعض الوقت."

تدريبٌ يغير مستوى الرعاية ويؤثر في المستقبل أيضاً 

في رأي والد زهراء، فإن طريقة تعامل الطاقم في المشفى مع ابنته لا تقل أهمية عن تأثير الأدوية نفسها.

يقول: "كان فريق المشفى رائعاً، من الأطباء إلى الممرضات. إنهم يعاملون الأطفال باحترام وحنان، ونحن ممتنون لجهودهم."

وفي الوقت نفسه، يقلق والدها من ازدحام جناح الأطفال ويأمل في افتتاح أقسام إضافية لتخفيف الضغط على المرضى الصغار والعاملين الصحيين. وتعكس تأملاته أحد الأهداف المركزية للبرنامج التدريبي الجديد: تعزيز خدمات أورام الأطفال في جميع أنحاء سورية حتى تتمكن عائلات كعائلته من الحصول على خدمات رعاية عالية الجودة بالقرب من منازلهم.

من خلال تجهيز الممرضات بمهارات سريرية وتعليمية أفضل، يُنشئ التدريب شبكة من الممرضات المدربات اللاتي يمكنهن دعم زميلاتهن في مشافٍ مختلفة واستخدام الممارسات الآمنة نفسها والدفاع عن احتياجات الأطفال وعائلاتهم.

تقول الممرضة نور: "رعاية سرطان الطفولة جهدٌ جماعي: فالأطباء والممرضات والاختصاصيون النفسيون والاختصاصيون الاجتماعيون والآباء.. كلنا جزء من هذه الرحلة، وعندما تُمنح الممرضات الأدوات والثقة للقيادة، يمكننا أن نحدث فرقاً حقيقياً."

شراكة في الالتزام برعاية الأطفال المصابين بالسرطان

يُشكل التدريب الوطني لمدربين في مجال تمريض أورام الأطفال خطوة واحدة من عملية أطول لتعزيز خدمات رعاية السرطان للأطفال في سورية، ومن خلال التركيز على أصوات وتجارب ممرضات مثل نور وأطفال مثل زهراء يُسلط الضوء على المعنى الحقيقي لتعزيز النظام الصحي عملياً: أي الاستماع والتعلم والبناء معاً.

وبالنسبة لنور، المسار واضح، فبعد عودتها إلى حلب، بين الجولات الصباحية الباكرَة ونوبات العمل المتأخرة، أخذَت تخطط لتكييف مواد التدريب وإطْلاع فريقها عليها.

تقول: "في كل محاضرة وكل جلسة عملية، كنت أفكر في الأطفال الذين ينتظروننا في الديار. إذا تمكنا من تحسين مهاراتنا وتحديث معرفتنا ودعم بعضنا البعض كممرضات فسيشعر كل مريض جديد يدخل إلى جناحنا بالفرق."