بعثة منظمة الصحة العالمية الرفيعة المستوى إلى السودان تعيد التأكيد على التزام المنظمة، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي للأزمة الصحية والإنسانية العصيبة، وإنهائها

بورتسودان، 9 أيلول/ سبتمبر 2024 - اختتم المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس، والمديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، الدكتورة حنان بلخي، اليوم بعثة لمدة يومين إلى بورتسودان أعادا خلالها التأكيد على التزام المنظمة بالوصول إلى جميع السودانيين المحتاجين للمساعدة، ودعيا المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل للتصدي للأزمة الصحية والإنسانية العصيبة وإنهائها.
وخلال زيارتهما، التقى الدكتور تيدروس والدكتورة حنان بالقادة السودانيين، ومنهم رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائب رئيس مجلس السيادة في السودان، الدكتور مالك عقار، ووزير الصحة الاتحادي، الدكتور هيثم محمد إبراهيم عوض الله. وقد ركزت المناقشات على الأثر المدمر للصراع الدائر والحاجة الماسة إلى إتاحة المساعدات الإنسانية دون عوائق لضمان وصول المساعدات المنقذة للحياة إلى جميع المحتاجين للمساعدة، بغض النظر عن مواقعهم.
وقال الدكتور تيدروس خلال مؤتمر صحفي عُقد اليوم في بورتسودان "يبدو أن المجتمع الدولي قد نسي السودان، ولا يعير اهتمامًا يذكر للصراع الذي يعصف به، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على المنطقة. ولهذا السبب جئت إلى السودان. وأنا هنا، برفقة زميلتي الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، لمقابلة المجموعة الواسعة من الشركاء المساهمين في الاستجابة، وللدعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة على نطاق واسع لتوفير المزيد من الموارد، وزيادة فرص الحصول على المساعدات الإنسانية، وتعزيز أمن العاملين الصحيين والمرضى الذين يخدمونهم".
وأضاف قائلاً: "ندعو العالم أن يستيقظ ويساعد السودان على الخروج من الكابوس الذي يعيشه.. يجب ألا نخذل شعب السودان".
وقد تسبب الصراع في تدمير جزء كبير من النظام الصحي في السودان، فقد وقع أكثر من 100 هجمة على مرافق الرعاية الصحية خلال أكثر من 500 يوم من الصراع، وهو ما أسفر عن وقوع خسائر كبيرة في صفوف العاملين الصحيين والمرضى. وبسبب انعدام الأمن اضطر العديد من العاملين الصحيين إلى الفرار مع أسرهم، وهو ما أدى إلى تفاقم النقص في الطواقم الطبية. وقد أدى هذا النزوح إلى زيادة إضعاف قدرة النظام الصحي على توفير الخدمات الأساسية، وهو ما حرم العديد من السودانيين من الحصول على الرعاية الحرجة.
وتضمنت البعثة الرفيعة المستوى للمنظمة زيارة إلى مركز لتثبيت الحالة الصحية الغذائية تدعمه المنظمة، حيث رأى الدكتور تيدروس والدكتورة حنان عن كثب تأثير أزمة سوء التغذية التي تجتاح السودان. ويعاني حاليًا 3.6 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، ويعاني 730000 طفل من سوء التغذية الحاد الوخيم. وقد أدى الصراع الدائر إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وهو ما زاد من صعوبة تقديم الخدمات التغذوية والصحية الأساسية للفئات السكانية الضعيفة.
وزار الدكتور تيدروس والدكتورة حنان مخيمًا للنازحين لاحظا فيه الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها الناس. فسكان المخيم يعانون من نقص الغذاء والدواء والمياه النظيفة، وهو ما يعرضهم لخطر متزايد لتفشي الأمراض وغير ذلك من التهديدات الصحية. وتشمل المخاطر اليومية التي يتعرضون لها خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، ولا سيما العنف ضد ما يقدر بأربعة ملايين امرأة وفتاة معرضات للخطر بسبب النزاع الدائر.
وأكَّدت الدكتورة حنان على الحاجة الماسة إلى احترام قدسية الرعاية الصحية، بما يتماشى مع القانون الإنساني الدولي. وتقول الدكتورة حنان: "البنية التحتية الصحية في السودان في حالة خراب، فالعديد من المرافق إما دُمرت وإما نُهبت وإما هُجرت. ولإعادة بناء النظام الصحي وتحقيق استقراره، يلزم ضخ قدر كبير من الاستثمار ليس لترميم المرافق وحسب ولكن أيضًا لتعزيز القوى العاملة الصحية". وربطت الدكتورة حنان هذا الأمر بالجانب الاقتصادي الأوسع نطاقًا، حيث أشارت إلى أن الانتعاش الاقتصادي للسودان واستقراره في المستقبل معرضان للخطر في غياب نظام صحي فعّال.
وفي أعقاب البعثة، شدد الدكتور تيدروس والدكتورة حنان على ضرورة بذل جهود متضافرة على الصعيد الدولي للنهوض بالسلام وتقديم المساعدة اللازمة في الأجلين القصير والطويل. "أولويتنا هي ضمان حصول كل سوداني محتاج للمساعدة على ما يحتاج إليه أينما كان موقعه في البلد. ولن يكون ذلك ممكنًا إلا بإحلال السلام الدائم، والاستثمار الكبير في البنية الأساسية الصحية، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء السودان دون عوائق، وبجميع الوسائل اللازمة، عبر خطوط التماس وعبر الحدود من البلدان المجاورة.
فالطريق الوحيد للمضي قدمًا هو السلام الذي تتحمل اﻷطراف المتحاربة ذاتها المسؤولية الكبرى عن إحلاله بدعم من المجتمع الدولي. ويجب على العالم ألا يغض بصره، فهذه الأزمة تتطلب منا استجابة فورية وجماعية".
وقد ترك النزاع حوالي 25 مليون شخص - أي أكثر من نصف سكان البلد - في حاجة ماسة إلى المعونة اﻹنسانية. ومن بين هؤلاء، يحتاج 14.7 مليون شخص إلى المساعدة الفورية، ويشمل ذلك مختلف أشكال الدعم المنقذ للأرواح، وقد طلب القطاع الإنساني 2.7 مليار دولار أمريكي لتمويل المساعدة، وما توفر من هذا التمويل المطلوب لا يزيد عن النصف.
وتُعد الفجوة التمويلية الحالية في الاستجابة الصحية الطارئة التي تنفذها منظمة الصحة العالمية في السودان مثيرة للقلق، حيث لم تتلق المنظمة سوى 24% من المبلغ الإجمالي الذي طلبته، وهو ما يحد بشدة من القدرة على التصدي للأزمة.
وتضمنت البعثة الرفيعة المستوى أيضًا افتتاح مقر جديد لمكتب منظمة الصحة العالمية في بورتسودان لتوسيع قدرة المنظمة على الوصول إلى الأشخاص المحتاجين للمساعدة.
روابط ذات صلة:
تبرع للاستجابة الطارئة لمنظمة الصحة العالمية في السودان
مباشرة من السودان: إحاطة إعلامية مع الدكتور تيدروس والدكتورة حنان - 8 أيلول/ سبتمبر 2024
الشباب يشاركون في التوعية بحِيَل شركات التبغ

4 أيلول/ سبتمبر 2024، القاهرة، مصر - في إطار أنشطته المستمرة للاحتفال باليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ لعام 2024، نظَّم المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط يوم 3 أيلول/ سبتمبر فعالية تضمَّنت معرضًا لرسوم بعض أطفال الإقليم عن مكافحة التبغ، والإعلان عن نتائج مسابقة «صوتٌ واحد» لرسائل الفيديو المصورة عن مكافحة تعاطي التبغ.
وقد افتتحت الدكتورة حنان حسن بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، الفعالية التي حضرها ممثلون عن وزارة الصحة والسكان المصرية وجامعة الدول العربية والمنظمات غير الحكومية ورابطات مكافحة تعاطي التبغ، وبعض الشخصيات العامة المهتمة بالدعوة إلى مكافحته.
وخلال هذه الفعالية، قدَّمت الدكتور حنان شهادات تقدير للفائزين في مسابقة "صوت واحد" لرسائل الفيديو التي نظَّمها المكتب الإقليمي لتشجيع مشاركة الشباب في جهود التوعية بالمخاطر الصحية والمشكلات الاقتصادية الناجمة عن تعاطي التبغ.
وأكَّدت الدكتورة حنان في كلمتها الافتتاحية على أهمية زيادة الوعي بالاستراتيجيات التي تستخدمها دوائر صناعة التبغ لاستهداف الشباب، وتشجيعهم على تعاطي التبغ بجميع أشكاله المهلكة، وحثَّت جميع الشركاء على مواصلة التعاون مع المنظمة لفضح هذه الأساليب المخادعة والمساعدة على تنشئة جيل متحرِّر من التبغ.
وسلَّطت الدكتور حنان الضوء على ضرورة الالتزام بالاتفاقية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، وحثَّت البلدان الموقِّعة على تنفيذ موادها، بما في ذلك حظر الترويج لمنتجات التبغ، واعتماد سياسات للتسعير والضرائب تثني الناس عن تعاطي التبغ، وحظر التدخين في الأماكن العامة.
وأكَّدت المديرة الإقليمية أن جميع أنواع تعاطي التبغ، بما فيها السجائر الإلكترونية، ضارة جدًّا بالصحة العامة، وأن الإقلاع عن تعاطيه يحمي الصحة وينقذ من الموت.
وقدَّم الدكتور أزموس همريتش، مدير إدارة الأمراض غير السارية والصحة النفسية بالمكتب الإقليمي لشرق المتوسط، لمحة عامة عن استراتيجية المنظمة لتنشئة جيل جديد من الشباب يُعلِي من شأن الصحة، ولا ينخدع بالحِيَل المضلِّلة التي تستخدمها دوائر صناعة التبغ. وسلط الضوء على دور الشباب الذي يتميز بالابتكار والإبداع في الوصول إلى أقرانهم، كما يتضح من معرض الرسومات ورسائل الفيديو المصورة في حملة "صوت واحد" لهذا العام بشأن مكافحة تعاطي التبغ.
وفي عرض تقني، فضحت الدكتورة فاطمة العوا بعض الحيل التي تلجأ إليها شركات التبغ، ومنها رعاية الشخصيات المؤثرة. وذكرت أنه في الفترة ما بين عامَي 2007 و2016، كان هناك 100 وسم (هاشتاج) مرتبط بشركات التبغ بلغ عدد مرات عرضها 25 مليار مرة، مشدِّدةً على أن شركات التبغ الكبرى لا تتورع عن فعل أي شيء للوصول إلى جمهورها، ولو كانت نتيجة ذلك قتل 8 ملايين إنسان سنويًّا بمنتجاتها.
وجدَّد الشركاء ودعاة مكافحة تعاطي التبغ، في مداخلاتهم خلال الاحتفال، التزامهم بمواصلة الجهود الرامية إلى التوعية بمخاطر تعاطي التبغ، ولا سيَّما بين الشباب في المدارس والجامعات، وأعربوا عن تقديرهم للدور الرائد الذي تضطلع به المنظمة في مكافحة التبغ.
الحاجةُ ماسّةٌ لتوافر بيانات أفضل عن لدغات الثعابين لإنقاذ الأرواح والأطراف
تؤثر درجات الحرارة الشديدة والجفاف على البيئات الطبيعية للثعابين، بما في ذلك في المستنقعات العراقية (كما في الصورة)، مما يجعل الحيوانات أقرب إلى البيئات الطبيعية البشرية، لا سيّما في المناطق الريفية وضواحي المدن. حقوق الصورة: منظمة الصحة العالمية/ ك. ناصر 2 سبتمبر/أيلول يتعرض إنسانٌ للدغة ثعبان كل 10 ثوانٍ على مستوى العالم وفقًا للتقديرات. والتسممُ الناجم عن لدغة الثعبان مرضٌ مهدد للحياة تسببه السموم الموجودة في لدغة الثعبان السام. وتشير التقديرات إلى أن لدغات الثعابين تتسبب في نحو 81000 إلى 138000 وفاة و400000 حالة إعاقة دائمة على مستوى العالم كل عام.
تُعد لدغات الثعابين من قضايا الصحة العامة المُهمَلة في جميع أنحاء العالم ولا سيّما في إقليم شرق المتوسط. تؤثر هذه اللدغات تأثيرًا غير متناسب على الفئات الضعيفة مثل المجتمعات الريفية والأطفال والسكان المتضررين من الأزمات.
تشمل الحلول تحسين التثقيف والتوعية بين المجتمعات المحلية التي تعيش في المناطق التي يوجد بها ثعابين سامة، وتدريب العاملين الصحيين على التدبير العلاجي للدغات الثعابين. كما ينبغي أن تكون مضادات السموم ذات الجودة المضمونة لأنواع الثعابين المتوطنة متاحة في المرافق الصحية على مسافة لا يستغرق قطعها أكثر من 4 - 6 ساعات من المجتمعات المحلية المُعرَّضة للخطر.
في المقابل فإن قتل الثعابين ليس حلًا. فالثعابين حيوانات لها أهمية، لا سيّما إفتراسها للآفات الحشرية الشائعة التي يمكن أن تؤثر على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي. وبالتالي فإن الثعابين ضرورية للحفاظ على التوازن في النظم الإيكولوجية.
كما أن البيّنات عن لدغات الثعابين غير مكتملة أو غير موجودة في كثيرٍ من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. ولكن البيانات المتاحة عن إقليم شرق المتوسط أضعف من مثيلاتها في أجزاء أخرى من العالم.
وهناك حاجة إلى بيانات يُسترشد بها في التدخلات المستهدفة. على سبيل المثال، يمكن استخدام البيانات لضمان وجود مضادات مناسبة للسموم في المستشفيات القريبة من المناطق المعرضة لمخاطر عالية، لا سيّما في المواسم التي تحدث فيها معظم لدغات الثعابين خلال العام. من الصعب، في غياب بيانات موثوقة، تسليط مزيد من الضوء على المرض وإثبات جدوى الاستثمار في التصدي لعبء لدغ الثعابين في الإقليم.
معالجة الثغرات في البيّنات في الإقليم
حددت دراسة أجراها فريق من منظمة الصحة العالمية للبيّنات المنشورة عن لدغات الثعابين في إقليم شرق المتوسط 170626 لدغة في 20 بلدًا على مدار 23 عامًا. بينما سُجِّل ما مجموعه 2551 حالة وفاة من بين الدراسات التي أبلغت عن الوفيات.
ولكننا نعلم أن هذه الأرقام أقل من التقديرات الحقيقية، إذ لا تُدرَج فيها سوى اللدغات المسجلة في المنشورات العلمية. وفي واقع الأمر، خلصت الدراسة إلى أن البيِّنات قد تركَّزت في عددٍ قليلٍ من البلدان فقط وأنها محدودة أو غير موجودة في معظم بلدان الإقليم.
وعلاوة على ذلك، فإن جزءًا ضئيلًا فقط من الدراسات تضمن معلومات عن العواقب الصحية الطويلة الأجل للتسمم. إن وجدت، قد تشمل هذه العواقب البتر، وتشوه الأطراف، ومشكلات في الحركة، والضرر الكلوي المزمن، وضعف البصر. وتكشف هذه الفجوة في البيّنات عن الحاجة إلى بذل جهود أكبر في مجال الترصّد لتحديد الأشخاص الذين يعانون من مضاعفات طويلة الأجل من أجل تلبية احتياجاتهم المحددة على نحو أفضل.
ولم تحدد جميع الدراسات أنواع الثعابين المتسببة في الأضرار، كما لم تبلغ عن أنواع مضادات السموم المستخدمة ومصادرها. ويجب معالجة هذه الثغرات الملحوظة أيضًا.
وتؤثر زيادة تواتر الكوارث الطبيعية والظواهر الجوية القصوى بشكل متزايد على انتشار الثعابين وأنماط نشاطها، مما يقربها من البشر. ففي العراق مثلاً، أدت الحرارة الشديدة ونقص المياه إلى اقتراب الثعابين من المستوطنات البشرية، مما عرض البشر والماشية للخطر. وعلاوة على ذلك، فإن الصراعات الدائرة، والأزمات الإنسانية، والهجرة في الإقليم، تعرّض جميع الفئات الضعيفة، مثل النازحين داخليًا واللاجئين، لخطر مواجهة الثعابين السامة.
بالاستثمار في تحسين ترصد لدغات الثعابين، يمكن للبلدان تخصيص الموارد المحدودة المتاحة للوقاية والعلاج بفعالية أكبر، والتنبؤ على نحو أفضل بآثار التغيرات الجارية. وتلتزم منظمة الصحة العالمية بالعمل مع البلدان على استخدام البيانات لتحسين الوقاية من لدغات الثعابين ومكافحتها، حتى يتسنى الحد من الإصابات، وتوفير العلاج لمن يحتاجون إليه، وتقليل الوفيات والإعاقات الناجمة.
بيان الدكتورة حنان حسن بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، في اليوم العالمي للعمل الإنساني 2024

19 آب/ أغسطس 2024
ها نحن في اليوم العالمي للعمل الإنساني نقف صفًّا وحدًا لنكرِّم ونجلَّ التفاني الاستثنائي للعاملين في المجال الإنساني، أولئك الأبطال الذين يواجهون أقسى الظروف والمصاعب، ويمضون قدمًا حاملين مشاعل الأمل وعلى عاتقهم مهمة سامية ألا وهي تقديم الإغاثة والخدمات الأساسية لملايين المحتاجين في إقليم شرق المتوسط وفي جميع أنحاء العالم. إن هذا اليوم ليس مجرد مناسبة عابرة، بل هو وقفة تأمل وتذكرة؛ إذ يستنهض فينا الشعور بالمسؤولية الجماعية المشتركة عن حماية أولئك المتفانين الذين كرسوا حياتهم لخدمة الآخرين، بينما غالبًا ما يتعرضون هم أنفسهم لمخاطر جمة.
إن شعار اليوم العالمي للعمل الإنساني لهذا العام، "العمل من أجل الإنسانية"، يحمل في طياته تذكيرًا مؤثرًا مؤلمًا: إذ إن عام 2023 هو الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني. وعلى الرغم من مرور 75 عامًا على سنِّ القوانين الدولية لحماية المدنيين والعاملين في مجال الإغاثة في أثناء النزاعات، فإن ثمة تجاهلاً متزايدًا لهذه الحماية. ونحن نشعر بقلقٍ بالغٍ من أن عام 2024 يمضي في مسار أشد وطأةً وسوءًا، خاصة مع استمرار التصعيد في الأرض الفلسطينية المحتلة والسودان وسوريا ولبنان واليمن.
ومما يؤسف له أن إقليمنا ليس بجديد على الصراعات والكوارث، بالنظر إلى العديد من حالات الطوارئ المستمرة التي يعانيها أكثر من 100 مليون شخص في حاجة إلى المساعدات الإنسانية، ومنها المساعدات الصحية. وفي هذه البيئات المحفوفة بالمخاطر، تتجلى شجاعة عاملينا في المجال الإنساني وتضحياتهم بذواتهم، كأنها نور يشع وسط ظلام.
إننا لنحزن بشدة ونتألم كثيرًا لفقدان كل زميل وزميلة قضوا في أثناء تأدية واجبهم، وأود اليوم أن أكرس لحظات إجلال وإكبار في ذكرى ثلاثة أعضاء استثنائيين من خيرة أبناء أسرة منظمة الصحة العالمية الذين عاجلهم الموتُ في مآسٍ شديدة الوقع على نفوسنا.
نكرمُ ذكرى الزميلة ديمة عبد اللطيف محمد الحاج، مسؤولة شؤون المرضى في مركز إعادة بناء الأطراف في غزة، التي وافتها المنية عندما قُصف منزل والديها الذي لجأت إليه طلبًا للأمان. وقد تُوفي أيضًا معها زوجها وطفلها البالغ من العمر ستة أشهر وشقيقاها، في عمل من أعمال العنف العبثي الذي لا معنى له. ولقد كرست ديمة، التي لم تتجاوز التاسعة والعشرين من عمرها، حياتها لمساعدة الآخرين.
ونجلُّ ذكرى المهندس عماد شهاب (42 عامًا) الذي فقد حياته في دير الزور بسوريا على إثر غارة جوية. ولقد كان لعمله المهم والقيم في مجال المياه والإصحاح والنظافة الصحية (WASH) أثرٌ بالغ في ضمان التشغيل الآمن للمرافق الصحية، وخصوصًا أعمال التجديد في مستشفى الأسد العام.
وبكل إجلال، نستذكر أيضًا الزميلة نصرة عبدي حسن، (27 عامًا)، ومسؤولة الصحة العامة في أحد أقاليم الصومال، والتي لقت حتفها في هجوم مأساوي وقع مقديشو بينما كانت تأخذ قسطًا من الراحة من عملها المُجهد والمنقذ للأرواح.
ولعل أصعب ما في الأمر ذلك الحداد المستمر الذي تعيشه الأسرة الإنسانية جمعاء في غزة التي فقدت 287 من العاملين في مجال الإغاثة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، منهم 205 من موظفي الأونروا.
إن رحيل هؤلاء ليس خسارة فادحة لعائلاتهم وزملائهم فحسب؛ بل إنه فاجعة مدمرة للمجتمعات التي كانوا يخدمونها، وضربة قاسية لقضية العمل الإنساني بشكلٍ عامٍ.
ولا يسعنا أن ننسى 17 زميلاً من زملائنا في الأمم المتحدة والكثيرين من العاملين في المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية والبعثات الدبلوماسية وأفراد المجتمع المدني الذين يعانون الاحتجاز التعسفي في اليمن . ومن هؤلاء 13 من موظفي الأمم المتحدة الذين اعتقلهم الحوثيون، سلطة الأمر الواقع، في يونيو/حزيران 2024 في محافظات حجة والحديدة وصعدة وصنعاء، بالإضافة إلى أربعة من موظفي الأمم المتحدة المحتجزين منذ عام 2021. وإننا نطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عنهم جميعًا، ونطالب أيضًا بضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين إليها دون عوائق.
لقد كانت إحصائيات عام 2023 مروعةً، إذ شهدنا 935 هجومًا على المرافق الصحية في جميع أنحاء إقليم شرق المتوسط، الأمر الذي أدى إلى وفاة 669 شخصًا وإصابة 1054 شخصًا آخر من العاملين في المجال الصحي. ومما يثير القلق الشديد أنه لم تظهر بوادر أو علامات على تحسن الوضع طوال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، ومن ذلك أنه جرى بالفعل تسجيل 433 هجومًا أسفرت عن مقتل 286 شخصًا وإصابة 322 شخصًا آخر. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات صماء، بل إنها أرواح حقيقية وأناس نبلاء فُقدوا، وعائلات تمزقت، ومجتمعات حُرمت من الرعاية الأساسية. ولذا أشدد من جديد على ضرورة وحتمية توقف العنف ضد أولئك الذين يقدمون الخدمات المُنقذة للحياة.
إن الهجمات المتعمدة على المرافق الصحية والعاملين في مجال الصحة والمرضى ليست انتهاكًا للقانون الدولي فحسب، بل إنها اعتداء صارخ على قدسية الصحة أيضًا. وهذه الأفعال تقوض جوهر العمل الإنساني وتنتهك المبادئ الأساسية للإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلال التي نهتدي بها في عملنا.
في اليوم العالمي للعمل الإنساني، ندعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لوضع حد لهذه الانتهاكات. ويجب على العدالة الدولية التصدي للأمر ووضع حد لحالة الإفلات من العقاب التي تشجع على استمرار هذه الجرائم.
وإننا نتقدم بأعمق آيات الامتنان والتقدير إلى جميع العاملين في المجال الإنساني في إقليم شرق المتوسط وخارجه. إن شجاعتكم والتزامكم وإنسانيتكم هي الشريان النابض للعمل الإنساني وعلى الرغم من الأخطار التي تواجهونها، فإنكم تواصلون تقديم الخدمات المُنقذة للأرواح، ليكون تفانيكم دليلاً على صمود وقوة روح الإنسانية. وإننا نكرم ونُجلُّ إسهاماتكم اليوم وكل يوم.
وفي الوقت الذي نستذكر فيه أولئك الذين فقدناهم، فإننا نؤكد التزامنا بإرثهم من خلال الدعوة إلى تعزيز حماية العاملين في المجال الإنساني والعمل دون كلل لضمان حصول جميع الناس، بغض النظر عن مكان وجودهم، على المساعدة التي يحتاجون إليها للنجاة والنماء. وبالطبع، نواصل الدعاء والدعوة لإنهاء النزاعات العبثية التي تحصد الأرواح، وتدمر سبل العيش، وتعرقل التنمية في جميع أنحاء الإقليم وخارجه.