اليوم العالمي للقلب لعام 2024: إطلاق حملة من أجل صحة القلب والأوعية الدموية
26 أيلول/ سبتمبر 2024، القاهرة، مصر - في اليوم العالمي للقلب لعام 2024، ينضم المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط إلى إطلاق حملة في إطار الحركة العالمية تحت شعار "استخدم قلبك من أجل العمل" لتمكين الأفراد من تحمل المسؤولية عن صحة قلوبهم، والدعوة إلى وضع خطط عمل وطنية أقوى بشأن صحة القلب والأوعية الدموية.
ولا تزال أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الرئيسي للوفاة على مستوى العالم. وفي إقليم شرق المتوسط، يُصاب ما يقدَّر بنحو 38% من السكان - أي ما يعادل 258 مليون شخص - بارتفاع ضغط الدم الذي يُعد أحد عوامل الخطر الرئيسية للإصابة بأمراض القلب، كما أن نصف جميع الوفيات المرتبطة بالقلب والأوعية الدموية تحدث قبل سن 70 عامًا، مما يُسلّط الضوء على الحاجة إلى الوقاية الفعالة والتدبير العلاجي المبكر.
وعلى الرغم من هذا العبء الكبير، فإن 50% فقط من الدول الأعضاء في الإقليم لديها مبادئ توجيهية أو بروتوكولات أو معايير وطنية مُسندة بالبيّنات للتدبير العلاجي للأمراض غير السارية من خلال نهج للرعاية الأولية. وهناك حاجة مُلحة إلى إرادة والتزام سياسيين قويين لضمان وضع سياسات مكافحة أمراض القلب والأوعية الدموية وتنفيذها. وفي غياب القيادة المتفانية والعزم على إعطاء الأولوية لصحة القلب والأوعية الدموية، سيكون من الصعب إحداث التغييرات اللازمة لحماية الأرواح والحد من الوفيات المبكرة الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية.
وتحثُّ منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الاتحاد العالمي للقلب، الحكومات ومتخذي القرارات والأوساط الصحية الأوسع نطاقًا على التكاتف في إعطاء الأولوية لصحة القلب والأوعية الدموية. ويكتسي التشخيص المبكر والعلاج الفعال والوقاية أهمية حاسمة في الحد من عبء أمراض القلب. ومن خلال تعزيز السياسات الصحية القوية وتمكين الأفراد من متابعة صحة قلوبهم، واتباع أنماط حياة أوفر صحة، والسعي إلى الحصول على الرعاية في الوقت المناسب، يمكننا إنقاذ الأرواح وتحسين نوعية حياة الملايين في جميع أنحاء العالم.
انضم إلى الحملة
كن جزءًا من الحل. وَقِّع على العريضة العالمية للاتحاد العالمي للقلب لتعزيز خطط العمل الوطنية الخاصة بصحة القلب والأوعية الدموية ودعم الدعوة العالمية للعمل. معًا يمكننا أن نضمن إيلاء صحة القلب الاهتمام الذي تستحقه عن طريق:
إنشاء برامج وطنية تتصدى لعوامل الخطر الرئيسية، أو تعزيز مثل تلك البرامج؛
تنفيذ أفضل ممارسات الإدارة؛
ضمان حصول العاملين في مجال الرعاية الصحية على التدريب المناسب؛
الاستثمار في نُظُم بيانات قوية من أجل تحسين الوقاية والمكافحة؛
دعم اجتماع الأمم المتحدة الرفيع المستوى لعام 2025 بشأن الأمراض غير السارية والدعوة إلى إصدار إعلان سياسي جريء يضع صحة القلب والأوعية الدموية في صميم الوقاية من الأمراض غير السارية.
معًا يمكننا أن نُحدِث فرقًا، وأن نساعد على حماية صحة القلب في المجتمعات في جميع أنحاء إقليم شرق المتوسط.
الهجمات على مرافق الرعاية الصحية في السودان تتجاوز 100 هجمة منذ اندلاع النزاع المسلح في عام 2023
تعتقد منظمة الصحة العالمية أن عدد الهجمات أعلى بكثير مما يمكن التحقق منه حاليًا
القاهرة، 24 سبتمبر/ أيلول 2024 - بلغ عدد الهجمات على مرافق الرعاية الصحية في السودان منذ بدء النزاع المسلح في نيسان/ أبريل 2023 أكثر من 100 هجمة، فقد تحققت منظمة الصحة العالمية من 108 هجمات حتى منتصف أيلول/ سبتمبر.
وتعتقد منظمة الصحة العالمية أن عدد الهجمات من المرجح أن يكون أعلى بكثير مما يمكن التحقق منه حاليًا. ويعوق استمرار العنف، وتفاقمه في بعض المناطق، قدرتنا على التحقق بصفة مستقلة من الهجمات والإصابات على حد سواء.
وأكدت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، على صعوبة التأكد من الحجم الحقيقي للآثار الواقعة على الرعاية الصحية. وقالت الدكتورة حنان: "لكل هجمة تكلفة بشرية يتحملها المجتمع بأسره".
وأضافت قائلةً: "في أوقات العنف المفرط، مثل الذي نشهده اليوم للأسف في السودان، تشتد أهمية وجود نظام صحي فعال. ولكننا لا نرى الهجمات تستهدف المرافق فحسب، بل نراها تستهدف أيضًا العاملين الصحيين، لا سيما مقدمو الرعاية إلى الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، على الرغم من التزامهم بالخدمة على نحو مُلهم".
ومن بين أكثر من 100 هجمة جرى التحقق منها، أكثر من 75 هجمة طالت المرافق الصحية، وأثرت 45 هجمة على العاملين الصحيين. وبالإضافة إلى هذه الهجمات، أُبلغ عن هجمات تستهدف وسائل النقل، ومنها سيارات الإسعاف، إلى جانب استهداف الإمدادات الطبية والمستودعات. وفي 29 من هذه الهجمات، تأثر المرضى تأثرًا مباشرًا. وكانت ولايات الخرطوم ودارفور وجنوب كردفان هي الأكثر تضررًا.
ووصفت ممرضة* تعمل في مركز للرعاية الصحية الأولية في دارفور التحديات التي طرأت بعد تعرض المرفق الذي كانت تعمل فيه للهجوم.
وقالت: "بعد الهجوم على مرفقنا، فقدنا القدرة على الوصول إلى المستلزمات والمعدات الطبية الضرورية، ومنها أدوية الأطفال، ولوازم التغذية، ولوازم علاج فيروس العوز المناعي البشري والسل. وفي حين أن سلامة موظفينا هي شاغلنا الرئيسي، فإننا مصممون على إيجاد طرق لاستئناف العمليات وخدمة المحتاجين".
وقد كان للهجمات على المرافق الصحية في السودان أثرٌ فادح في بلدٍ يعصف به العنف. فالمدنيون يعانون من أكبر أزمة نزوح بشري في العالم حيث نزح أكثر من 13 مليون شخص قسرًا داخل البلد وخارج حدوده. ويعاني عدد لا يحصى من الناس من إصابات الحرب، والجوع الشديد، والضغوط المنهكة للصحة النفسية، وتزايد تفشي الأمراض، وعدم كفاية العلاج أو الإمدادات الطبية اللازمة لعلاج الأمراض غير المعدية، مثل السرطان والسكري وأمراض القلب والكلى.
وقبل الأزمة الحالية، كان في السودان ما يقدَّر بنحو 6500 مرفق للرعاية الصحية الأولية و300 مستشفى عام في جميع أنحاء البلاد. وتشير تقديرات المنظمة إلى أن 70-80% من المرافق الصحية في المناطق الأشد تضررًا من النزاع، مثل الجزيرة وكردفان ودارفور والخرطوم، ونحو 45% في أجزاء أخرى من البلد، الآن بالكاد تعمل أو مغلقة، وهو ما يؤثر على ملايين الأشخاص الذين يعيشون في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث.
وبموجب القانون الإنساني الدولي، تُمنح حماية خاصة للمرافق الطبية والعاملين الصحيين في أوقات النزاع لضمان تقديم الرعاية المنقذة للأرواح إلى المدنيين وحماية البنية التحتية الصحية الضرورية لبقاء المجتمع.
وأوضح طبيب أطفال* في مستشفى بالخرطوم أن العاملين الصحيين لم يشعروا من قبل بهذا القدر من عدم الأمان. وأضاف قائلًا: "نحن نعيش في خوف دائم، فلا نعرف متى قد يحدث الهجوم التالي. ونبذل قصارى جهدنا للاستمرار في خدمة المجتمع، ولكن التحديات هائلة".
وكما هو الحال دائمًا، تدعو منظمة الصحة العالمية جميع أطراف النزاع في السودان إلى احترام الرعاية الصحية وحمايتها. فالهجمات على الرعاية الصحية تؤذي الفئات الأكثر ضعفًا، وتضر مرتكبيها قبل أن تضر الآخرين، وتُعدّ واحدة من أكثر انتهاكات القانون الإنساني الدولي مدعاة للقلق.
*حُذفت الأسماء لحماية الهوية
شهر التوعية بسرطان الأطفال
يزن، 20 عامًا، ناج من سرطان الأطفال من سوريا
23 أيلول/ سبتمبر 2024، القاهرة، مصر - يَزَنْ شابٌ سوري يبلغ من العمر 20 عامًا شُخِّصت حالته على أنها ساركوما يوينغ عندما كان طفلًا. وقد أدى النزاع في سوريا والأزمة الإنسانية الناتجة عنه إلى معاناة يزن للحصول على علاج السرطان الذي يعاني منه، وتلقى دعمًا ضئيلًا من مدرسته ومجتمعه.
يتذكر يزن ذلك فيقول: "حُرِمت من دخول امتحاناتي النهائية لأنني لم أتمكن من صعود السلالم إلى حيث توجد غرفة الامتحان. إلا أنه كان يمكنهم بسهولة أن يمنحوني استثناءً. فقد درستُ باجتهاد عندما كنت مريضًا."
وليد، شابٌ مصري يبلغ من العمر 29 عامًا، شُخِّصت حالته على أنها ساركوما عظمية عندما كان عمره 15 عامًا. وخضع بعد ذلك لبتر فوق الركبة. ويعمل وليد حاليًا في القطاع المالي، ويرتدي ساقًا اصطناعية. ويشعر بأن الدعم المقدم للناجين من سرطان الأطفال غير كافٍ، لا سيّما عندما يبلغون سن الرشد.
مع وليد (29 عامًا) وأيمن (20 عامًا)، ناجيان من سرطان الأطفال من مصر
وأضاف قائلًا: "تجربتي مع الآثار الجانبية للعلاج كانت أصعب من السرطان نفسه. وكان من الممكن أن أستعين بمزيدٍ من المشورة والدعم، وكان من الممكن أن أتجنب عملياتٍ لا حصر لها لإنقاذ طرفي لو كنتُ تلقيتُ نصيحةً صحيحة".
إن قصتي يزن ووليد غيضٌ من فيض. وهي تجارب يواجهها 36000 طفل دون سن 19 عامًا كل عام في إقليم شرق المتوسط.
ويعتمد احتمال النجاة من سرطان الأطفال بعد التشخيص بالإصابة به على البلد الذي يعيش فيه الطفل: ففي البلدان ذات الدخل المرتفع، يشفى أكثر من 80٪ من الأطفال المصابين بالسرطان، في حين أن النسبة تقل عن 30٪ في العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ويعيش العديد من الناجين من هذا المرض بإعاقات.
وتعتمد نجاة هؤلاء الأطفال على قدرة النظم الصحية الوطنية على إجراء التشخيص في الوقت المناسب والإحالة المبكرة وتوفير العلاج المناسب والوقاية من الإعاقة، وتعتمد أيضًا على توافر شبكات الأمان المالي لحماية أسرهم من التكاليف الكارثية المحتملة المرتبطة بالعلاج والرعاية. ويمثل ذلك تحديًا هائلًا في إقليمٍ يعاني فيه العديد من النظم الصحية الوطنية من الهشاشة، وتعطل سلاسل الإمداد، وضعف نظم الإحالة، والنقص المزمن في القوى العاملة الصحية المتخصصة، وتقديم خدمات مُجزَّأة وغير متسقة.
ومن خلال المبادرة العالمية لسرطان الأطفال، التي أُطلقت في عام 2018، تعمل منظمة الصحة العالمية ومستشفى سانت جود لبحوث الأطفال في ممفيس، بالولايات المتحدة الأمريكية، مع الشركاء الوطنيين والدوليين من أجل تحقيق الهدف الطموح الذي يمكن تحقيقه حتى الآن، ألا وهو ضمان شفاء 60٪ على الأقل من الأطفال المصابين بالسرطان في جميع أنحاء العالم، وتقليل المعاناة إلى أدنى حد.
وإدراكًا من وزراء الصحة في مصر والأردن ولبنان والمغرب وباكستان والأرض الفلسطينية المحتلة وسوريا لقيمة هذه المبادرة في الحفاظ على الجهود الأوسع نطاقًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتغطية الصحية الشاملة، فقد انضموا إلى المبادرة وتعهدوا بتوسيع نطاق التدخلات في إطار علاج الجميع الذي تضمنته المبادرة.
ويشمل ذلك ما يلي:
تبسيط آليات الحوكمة بشأن سرطان الأطفال، والجمع بين جميع الأطراف المعنية على المستوى الوطني، وتمكينهم من تنفيذ الإجراءات الرئيسية التي تسترشد بالاستراتيجيات الوطنية لسرطان الأطفال؛
بناء قدرات المهنيين عبر سلسلة الرعاية لضمان الكشف المبكر عن سرطان الأطفال والتدبير العلاجي له في الوقت المناسب من خلال شبكات إحالة فعالة على الصعيدين الوطني ودون الوطني؛
توحيد تشخيص وعلاج الأطفال المصابين بالسرطان في جميع المرافق الصحية العامة والخاصة، وبين المناطق الحضرية والريفية، لضمان حصول الأطفال على نفس العلاج العالي الجودة بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه؛
تعزيز نُظُم سلسلة الإمداد لتجنب نقص الأدوية المنقذة للحياة، بوسائل منها تنفيذ المنصة العالمية لإتاحة أدوية سرطان الأطفال، وإعداد القوائم الأساسية لأدوية سرطان الأطفال.
مايا، 22 عامًا، ناجية من سرطان الأطفال من سوريا
وبينما تواصل الحكومات الاستثمار في بحوث سرطان الأطفال وتعمل جنبًا إلى جنب مع الشركاء الآخرين، فإنها تحتاج إلى ضمان توفير الرعاية المجانية لجميع الأطفال المصابين بالسرطان. وتؤدي الأسر دورًا حاسمًا في مكافحة سرطان الأطفال، ولكن العبء المالي قد يكون فادحًا. إن العلاج المجاني لسرطان الأطفال ودعم الأسر يحدثان فرقًا هائلًا من حيث تحسين الصحة وجودة الحياة.
وينبغي أن يؤدي الأطفال الذين يعيشون تجربة مع السرطان وأسرهم دورًا حيويًا في تصميم البرامج وتنفيذها ومتابعتها. كما ينبغي أن تساعد مساهماتهم في تحديد أولوياتنا، وأن يعزز وجودهم الشعور بالحاجة إلى العمل على وجه السرعة. ويجب إعطاء الأشخاص الذين عاشوا التجربة مجالًا للتعبير عن مخاوفهم بشأن ما لم يتسن عمله خلال رحلتهم مع السرطان أو بعدها. فالسماح لهم باستخدام خبراتهم لتعزيز رعاية مرضى السرطان ومساعدة الأطفال الآخرين عاملٌ فعّالٌ للغاية.
ويذكرنا شهر التوعية بسرطان الأطفال بالمعركة المستمرة ضد هذا المرض المدمر. وباجتماعنا معًا في أيلول/ سبتمبر من كل عام، فإننا لا نكتفي برفع مستوى الوعي والاحتفاء بقوة الشباب المصابين بالسرطان وقدرتهم على الصمود، بل ندرك أنه في مقدورنا أن نمضي قدمًا نحو مستقبل لا يتخلف فيه أي طفل عن الرَكب، بغض النظر عن مكان ولادته، بفضل المستويات المناسبة من الدعم والمناصرة.
المصادر
إطار علاج الجميع (المبادرة العالمية لسرطان الأطفال (who.int))
الكلمة الافتتاحية للمدير الإقليمي في جلسة الإحاطة الإعلامية للمكتب الإقليمي لشرق المتوسط
15 كانون الثاني/ يناير 2024
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحيةً طيبةً من المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، بالقاهرة.
نشهد اليوم مرور مائة يوم كاملة منذ اندلاع الأعمال العدائية في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة.
وفي غضون تلك المدة الوجيزة، فقَدَ أهل غزة -الذين اعتادوا الاستيقاظ كل صباح استعدادًا للذهاب إلى المدرسة أو العمل، ثم العودة لتناول العشاء مع أفراد أسرتهم، والتخطيط لمستقبلهم- فقَدَ هؤلاء أقرب أحبائهم، ومنازلهم وممتلكاتهم، وسُبُل عيشهم، وأبسط حقوقهم الإنسانية.
ونزح نحو 85% من مجمل سكان غزة -أي 1.9 مليون شخص- عن ديارهم، واكتظت بهم مخيمات الإيواء، وباتوا يعانون من تدهور حاد في خدمات الصرف الصحي، ويعيشون بلا طعام أو ماء، بينما تبلغ درجة حرارة الجو من حولهم حد التجمُّد، فضلًا عما يواجهونه من جوع ومرض متزايديْن، وخطر ناجم عن التعرض للإصابة أو الوفاة من جراء القصف.
ويقف النظام الصحي على شفير الهاوية، بينما يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى مواصلة أداء وظائفه وسط تحديات جسيمة وتهديدات بالتعرض للهجمات. ومع وجود 15 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى يؤدي وظائفه -على نحو جزئي- يتلقى العديد من المرضى المصابين العلاج وهم يفترشون الأرض داخل المرافق الصحية المكتظة. وكثير من هؤلاء الذين يمكن إنقاذهم يموتون بسبب نقص الأطباء المتخصصين، وانعدام الوقود والكهرباء، والدواء والغذاء، والماء النظيف.
ونتيجةً للقيود والتأخيرات المفروضة على إيصال الوقود والأدوية والمساعدات الأخرى، ما زالت معاناة الناس في غزة ومخاطر وفاتهم وإصابتهم بالأمراض على نحو لا يتصوره عقل في زيادة مستمرة.
وطوال 100 يوم، دعوْنا إلى زيادة تدفقات المعونة الإنسانية إلى غزة، وتيسير الوصول إليها دون عوائق. ودعوْنا أيضًا الجانبين إلى وقف الأعمال العدائية، التي تتسبب كذلك في تداعيات مُقلِقة في كلٍّ من لبنان واليمن. فحتى 10 كانون الثاني/ يناير، أبلغت وزارة الصحة اللبنانية عن وقوع 138 وفاة و617 إصابة في لبنان نتيجة الصراع المسلح العابر للحدود؛ وأسفر الهجوم الأخير على مرافق الرعاية الصحية في 11 كانون الثاني/ يناير عن مقتل اثنين من المسعفين وتدمير سيارة إسعاف. كما أننا نراقب الوضع عن كثب في البحر الأحمر واليمن.
إن الناس في إقليمنا -وهم من أكثر الناس ضعفًا وتأثرًا في العالم- لا يَقْوون على تحمُّل المزيد من الحرمان من حقوقهم الأساسية في الحياة، ومن الحصول على الرعاية الصحية المُنقذة للحياة. ولا تستطيع النُّظُم الصحية -التي تسعى بكل جد للاضطلاع بدورها وسط تحديات هائلة- أن تخضع لمزيد من الاختبارات.
لذا، فإن المنظمة تعتزم، في وقت لاحق من بعد ظهر هذا اليوم، إطلاق ندائها العالمي بشأن الطوارئ الصحية لعام 2024، الذي يشمل حالات الطوارئ في جميع أقاليم المنظمة.
ونحن نطلق هذا النداء في وقت باتت فيه الصحة في إقليم شرق المتوسط مهدَّدة على نحو لم يسبق له مثيل. ففي النصف الثاني من عام 2023، اجتاحت إقليمَنا ست حالات طوارئ جديدة، منها فاشية كبرى للكوليرا في السودان على خلفية الصراع المتصاعد هناك، والفيضانات في ليبيا، والزلازل الكبرى في المغرب وأفغانستان، والمأساة المستمرة التي تتوالى فصولها في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهي واحدة من أصعب الأزمات الإنسانية والصحية العامة في تاريخ الإقليم الحديث.
وفي الوقت الحالي، يحتاج 140 مليون شخص في إقليم شرق المتوسط إلى مساعدات إنسانية، وهو ما يمثل 20% تقريبًا من سكان الإقليم، وما يقرب من 40% من جميع المحتاجين على مستوى العالم. وفي عام 2024، ستحتاج منظمة الصحة العالمية إلى ما يقرب من 706 ملايين دولار أمريكي للاستجابة لحالات الطوارئ الكبرى في إقليم شرق المتوسط.
ولا يزال النظام الصحي في السودان يكافح وسط صراع طويل الأمد أصبح الآن يشكل أكبر أزمة نزوح في العالم اليوم. ويؤدي تزايد العنف وانتشار الأمراض، مثل الكوليرا، وإعاقة الوصول، وانعدام الأمن، ونهب الإمدادات، إلى تقويض الجهود التي يبذلها الشركاء في المجال الإنساني لإنقاذ الأرواح. ونتيجةً لتفاقم الصراع، لا تستطيع وكالات المعونة الآن الوصول إلا إلى 4 ولايات من بين جميع الولايات البالغ عددها 18 ولاية من داخل السودان. واضطرت الوكالات الإنسانية إلى الانتقال من ولايات الخرطوم ودارفور والجزيرة. ومع ذلك، نواصل تعزيز وجودنا الميداني وتعديل عملياتنا استنادًا إلى التغيرات السريعة التي تطرأ على السياق، والقدرة على تقديم الخدمات الحيوية المنقِذة للحياة إلى الفئات الأكثر ضعفًا.
ولا تزال الأزمة الإنسانية في أفغانستان واحدة من أكبر الأزمات وأكثرها حِدةً في العالم، إذ يعاني الآن 23.3 مليون شخص محتاج من تدهور النظام الصحي، والحرمان من الغذاء، وتفشي الأمراض المتعددة المتزامنة، واستمرار الصراع، وحدوث نوبات الجفاف وغيرها من الكوارث الطبيعية.
وفي الجمهورية العربية السورية، يحتاج أكثر من 15 مليون شخص إلى الخدمات الصحية في ظل نظام صحي يعاني من تكرار الصدمات التي تضمنت تفشِّي الأمراض، وغياب الاستقرار الاقتصادي، ووقوع الزلزال المدمر الذي ضرب كلًّا من الجمهورية العربية السورية وتركيا مطلع العام الماضي.
ولا يزال اليمن يواجه أزمة إنسانية حادة، إذ يحتاج ما يقرب من 18 مليون شخص إلى الحصول على مساعدات صحية. ولا يزال الوضع مزريًا، لا سيما للفئات الضعيفة مثل النازحين داخليًّا، والأطفال، والنساء، والمسنين، وذوي الإعاقة، والمجتمعات المحلية المهمشة. ويواصل اليمن مكافحة فاشيات الأمراض المعدية (ومنها الحصبة وشلل الأطفال وحمى الضنك والسعال الديكي والدفتيريا)، بالرغم من أن نحو نصف جميع المرافق الصحية فقط يعمل بكامل طاقته.
وستركز استجابتنا الإقليمية هذا العام، بالتنسيق مع السلطات الصحية والشركاء وجميع المستويات الثلاثة للمنظمة، على حالات الطوارئ المتعددة البلدان، بما يشمل الجفاف وانعدام الأمن الغذائي في منطقة القرن الأفريقي الكبرى، وفاشيات الكوليرا المنتشرة في 9 بلدان من بلدان الإقليم البالغ عددها 22 بلدًا، وحُمى الضنك. وبالرغم من أن كوفيد-19 لم يعد يمثل طارئة صحية عالمية، فإننا لا نزال ملتزمين بالعمل مع البلدان والمجتمعات المحلية للوقاية من تزايد انتشاره، مع العمل في الوقت نفسه على بناء القدرات للتعامل مع الجوائح في المستقبل.
الزميلات والزملاء الأعزاء،
هذه هي آخر إحاطة إعلامية لي بصفتي المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، إذ أعود إلى رحاب عملي في التدريس والإشراف على طلبة الطب والأطباء المقيمين بجامعة السلطان قابوس في مسقط، إلى جانب الإشراف على المرضى بالمركز الصحي لطب الأسرة التابع للجامعة.
وعلى مدى خمس سنوات في منصبي هذا، رأيت مرارًا وتكرارًا كيف تؤثر حالات الطوارئ على حياة الأبرياء. فلن تبرح مخيلتي أبدًا نظرة الدهشة التي اعتلت وجه طفلة صغيرة فقدت والديها في الزلزال الذي ضرب الجمهورية العربية السورية؛ ولا دموع المرأة المسِنَّة التي فقدت حفيدها وبيتها في انفجار مرفأ بيروت؛ ولا القلق الذي ارتسم على وجه الوالديْن الجالسيْن بجوار طفلهما الواهن الذي يعاني من آثار سوء التغذية في الصومال؛ ولا الصدمة حين سمعنا نبأ وفاة زميلتنا ديما الحاج في غزة، وهي واحدة من بين أكثر من 145 موظفًا من موظفي الأمم المتحدة الذين قُتلوا منذ بداية الأعمال العدائية، وقُتل مع كثيرين منهم أُسرُهم أيضًا.
وبينما أغادر منصب المدير الإقليمي، يعتصر الحزن قلبي على ما آلَ إليه الوضع في إقليمنا. فالمكاسب الهشة التي تحققت تقف الآن في مهب الريح نتيجة خلط الصحة بالسياسة، في وقت تتزايد فيه حدة تأثير تغيُّر المناخ على الصحة العامة.
لكنني في الوقت نفسه رأيت الأثر الذي تتركه منظمة الصحة العالمية وشركاؤها للمساعدة في إنقاذ الأرواح وتعزيز النُّظُم الصحية وإتاحة الرعاية الصحية لجميع من يحتاجون إليها. ورأيت كذلك تضامنًا وجهدًا بذلته دولنا الأعضاء من أجل دعم إخواننا وأخواتنا الضعفاء في البلدان التي تواجه الأزمات.
وبالرغم من كل التحديات، فقد أحدثنا فارقًا في حياة الناس، ولا نزال ملتزمين بذلك، مهما كانت العقبات التي تواجهنا. بل إن الأهم من ذلك هو أنه بالرغم من أن الوضع في غزة قد كشف لنا مؤخرًا هشاشة الاعتقاد الراسخ بقدسية الصحة، فقد أوضح لنا في المقابل عزم العاملين الصحيين والجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني على بذل قصارى جهدهم -حتى لو كان ذلك على حساب سلامتهم وعافيتهم- للوصول إلى الأشخاص المحتاجين وإمدادهم بالرعاية المنقذة للحياة. وإنني على ثقة من أن هذا العزم لن يزداد إلا قوة وبأسًا، وسيضع الصحة العامة فوق كل الاختلافات الدينية، والصراعات السياسية، والمساعي العبثية لاحتكار السلطة والأرض.
وقد أشار الدكتور تيدروس، المدير العام للمنظمة، في معرض حديثه الأسبوع الماضي، إلى أن عام 2024 سيكون اختبارًا للبشرية؛ اختبارًا لما إذا كنا استسلمنا لمساعي الانقسام وإثارة الشكوك وتضييق النزعة القومية، أو ما إذا كنا قادرين على تخطِّي خلافاتنا والسعي إلى تحقيق الصالح العام.
وأحثُّ الجميع -ولا سيما دول الخليج التي تتمتع باستقرار اقتصادي وسياسي- على استخدام مواردها وإعلاء صوتها لدعم شعوبنا التي تعاني من بعض أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم أجمع.
أشكركم جميعًا، وأتمنى أن يحمل لكم عام 2024 في طياته الخير والبركة. لقد شرفت بحمل لواء خدمة هذا الإقليم وشعوبه. وإنني، إذ أغادر منصبي هذا، أضع ثقتي المطلقة في قيادة الزميلة القديرة الدكتورة حنان بلخي، التي ستخلفني مديرًا إقليميًّا الشهر المقبل. وهي تمتلك من الخبرة والتفاني ما يمكِّنها من أداء هذا الدور. وإنني على يقين في قيادتها للإقليم بكل حنكة واقتدار.
وأود أن أقول لفِرَق المنظمة التي تفانت في عملها على جميع المستويات، وشركائنا الصامدين، وقوانا العاملة الصحية الشجاعة في جميع أنحاء الإقليم - إن جهودكم الدؤوبة قد آتت ثمارها، وإنني ممتن لالتزامكم الراسخ بقضية الصحة العامة.
وقبل كل ذلك، فإنني أعرب عن خالص امتناني لشعوب الإقليم. إن قدرتكم على الصمود في وجه التحديات وتصميمكم على بناء مستقبل أفضل لأسركم وبلدانكم هو مبعث إلهام لنا جميعًا. وبينما نمضي قُدُمًا، أود أن أؤكد لكم أن منظمة الصحة العالمية تقف إلى جانبكم، وستواصل دعم مسيرتكم نحو النهوض بالصحة والعافية.
ختامًا، أسأل الله العلي القدير أن يكون عام 2024 عام ازدهار وصحة ورفعة لهذا الإقليم.
شكرًا لكم.