المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط تعرضُ رؤيةً جريئةً للصحة في إقليم شرق المتوسط: "تستحقها شعوبنا"

16 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، القاهرة، مصر - في افتتاح الدورة الثانية والسبعين للّجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط أمس، تحدثت الدكتورة حنان حسن بلخي، المديرة الإقليمية، عن المشكلات التي يواجهها الإقليم بشكلٍ مباشرٍ وصريح.

وتوجهت بحديثها إلى الوزراء ورؤساء الوفود وممثلي الشركاء المجتمعين فقالت: "نجتمعُ في أجواء يسودها التباسٌ تامٌ في مستقبل إقليمنا وفي الصحة العالمية. فقد اجتمعت الحروب والكوارث والنزوح وتراجُع المعونات لتزيد تفاقُمَ المآسي التي تتتابع علينا الواحدة تلو الأخرى. وما لم نتحرك لتصحيح الأوضاع، فإن التاريخ سيذكر أيامَنا هذه ضمن العصور المظلمة. ولكن ما يزال حتى اليومِ أناسٌ، ومنهم الجمع الكريم في هذه القاعة، يؤمنون بالولاية المسندة إلى هذه المنظمة، وما يزالون يؤمنون بأن الصحة حق للجميع".

وشدَّدت الدكتور حنان على أن إقليم شرق المتوسط، الذي يبلغ عدد سكانه 750 مليون نَسَمة، تَلقَّى العام الماضي ثلثَي الهجمات العالمية على المرافق الصحية، وأن المستشفيات، التي كانت ملاذًا آمنًا في السابق، أصبحت أماكن يُمارَس فيها العنف.

وأكَّدت الدكتورة حنان من جديد التزام منظمة الصحة العالمية بتحقيق الصحة للجميع، على الرغم من التحديات، وأشادت بالعاملين في الخطوط الأمامية الذين يخاطرون بحياتهم في مناطق النزاع والمناطق التي تعاني من نقص الخدمات. وأثنت على الدول الأعضاء لقيادتها في مجال حوكمة الصحة العالمية، ودورها في اتفاق المنظمة بشأن الجوائح وزيادة الاشتراكات المقدرة بنسبة 20٪. وتعكس التعهدات السخية ببذل جهود لاستئصال شلل الأطفال من جانب بلدان مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر تضامنًا إقليميًا قويًا. وفي عام 2024 وحده، بلغت المساهمات الطوعية لبرنامج المنظمة للطوارئ 87.5 مليون دولار أمريكي.

واستعرضت الدكتور حنان التقدُّم المُحرَز في إطار الخطة التنفيذية الاستراتيجية الإقليمية والمبادرات الرئيسية الثلاثة في مواجهة تحديات غير مسبوقة.

استئصال شلل الأطفال

يتواصل تراجع فيروس شلل الأطفال البري في أفغانستان وباكستان، واحْتُوِيتَ الفاشيات المشتقة من اللقاحات في غزة ومصر.

الأمراض السارية

يصل التمنيع الروتيني الآن إلى 85% من الأطفال. وأدخل السودان لقاح الملاريا، وحصلت مصر على الإشهاد على خلوها من الملاريا، وكافحت التهاب الكبد B، وأصبح الأردن أول بلد على مستوى العالم يجري التحقق من القضاء على الجذام فيه.

 

الأمراض غير السارية والصحة النفسية

قضت المملكة العربية السعودية وعُمان على الدهون المتحولة الضارة، وتَبنَّى 14 بلدًا أفضل الممارسات في مجال السياسات المعنية بالأمراض غير السارية، ويجري إدماج خدمات الصحة النفسية في الرعاية الأولية بخطى ثابتة.

المناخ والصحة البيئية

أكثر من 150 مدينة ترصد الآن جودة الهواء، وأُدمِجَت الصحة في التخطيط للتصدي لتغيُّر المناخ في 7 بلدان.

قدرة النظم الصحية على الصمود

دعمت المنظمة جهود التعافي في العراق والسودان والجمهورية العربية السورية واليمن، وتدعم أيضًا التخطيط لمرحلة ما بعد انتهاء الصراع في غزة.

الهجرة والنزوح

تعمل الدول الأعضاء باستمرار على ضمان حصول اللاجئين والمهاجرين على الخدمات الأساسية، مع وجود مبادرات جديدة تركز على التكيف مع المناخ والحد من مخاطر الكوارث.

استخدام التكنولوجيا الرقمية في مجال الصحة والبيانات

تمضي الاستراتيجيات الوطنية لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في مجال الصحة قُدُمًا، وثمة نماذج يُحتذى بها مثل برنامج مصر للمبادئ التوجيهية للرعاية السريرية، ومنصة بيانات الوفيات في المملكة العربية السعودية، وقد حصلت تلك المنصة على جوائز.

وسلَّطت الدكتورة حنان بلخي الضوء على التقدم المُحرَز في المبادرات الرئيسية بشأن توسيع نطاق الحصول المُنصِف على المنتجات الطبية، والاستثمار في قوى عاملة صحية قادرة على الصمود ومستدامة، وتسريع إجراءات الصحة العامة بشأن تعاطي مواد الإدمان.

ويجري تعزيز النُظُم التنظيمية، فقد بلغت المملكة العربية السعودية مستوى النضج 4 حسب تصنيف المنظمة، وتُعِدُّ لتصبح أول سلطة تنظيمية في الإقليم مُدرجة في قائمة منظمة الصحة العالمية بحلول عام 2026. ووصلت مصر إلى المستوى 3، تليها مباشرة المغرب وباكستان وتونس.

وتعمل البلدان على تعزيز القدرات الإنتاجية وتحسين نظم الإمداد من خلال الشراء المُجمَّع وتوظيف التقنيات الرقمية في المخازن. ويمضي التقارب في مجال التنظيم قُدمًا من خلال مبادرة مواءمة اللوائح التنظيمية في شمال أفريقيا التي تشمل 6 بلدان.

ومن المتوقع أن يعاني إقليمُنا عجزًا في العاملين الصحيين يبلغ 2.1 مليون عامل بحلول عام 2030. ولمواجهة ذلك، تعكف الدول الأعضاء على وضع استراتيجيات لتعزيز الرعاية الأولية، وإجراء تغيير شامل في التعليم، وتحسين الحوكمة. ويزداد التعاون الإقليمي من خلال الشراكات مع جامعة الدول العربية، والمجلس العربي للاختصاصات الصحية، والتحالف الصحي الإقليمي.

ويُعدّ تعاطي مواد الإدمان أحد التحديات المستجدة، إذ يؤثر على 6.7% من الأشخاص في الفئة العمرية 15-64 عامًا. وتدعم المنظمة البلدان في توسيع نطاق العلاج، وإدماج الرعاية الصحية في الخدمات الأولية، وتوسيع نطاق الوقاية. وثمة تحالفٌ إقليمي يعمل على إشراك المجتمع المدني وأصحاب التجارب الشخصية. وهناك أدوات جديدة مثل أطلس تعاطي مواد الإدمان والبرامج المدرسية تساعد على حماية الشباب، وبدأت باكستان ومصر العلاج ببدائل الأفيون، ويجري حاليًا تنفيذ استراتيجيات متعددة القطاعات في قطر والصومال وتونس.

وفي حين أثَّرَ خفض التمويل تأثيرًا بالغًا على العمليات، فترتب عليه إغلاق العيادات، وتَوقُّف الخدمات الصحية للأمهات والأطفال، فإن المنظمة تواصل تقديم الخدمات الأساسية، بدءًا من مكافحة الكوليرا إلى المساعدات المنقذة للحياة في غزة والسودان. وقد حشدت المنظمة 1.4 مليار دولار أمريكي في عام 2024، وأسَّست فرقة العمل الإقليمية المعنية بالتمويل الصحي لمساعدة الدول الأعضاء على تعزيز حشد الموارد محليًّا. وعلى الرغم من هذه الجهود، لا يزال 40% من الميزانية المعتمدة للفترة 2026-2027 دون تمويل.

واختتمت الدكتورة حنان البلخي حديثها بدعوةٍ للعمل، فأخبرت الوفود أن: "التضامن الإقليمي ليس محل نقاش، بل هو سبيلنا الوحيد للمُضي قُدمًا. إن الصحة في إقليمنا مسؤولية مشتركة. ولا سبيل أمامنا إلا تحويل هذه الأزمة إلى فرصة لبناء نُظم تليق بشعوب إقليمنا، وقادرة على الصمود والاعتماد على الذات".