يزداد عبء الصحة النفسية حدة في صفوف المهاجرين واللاجئين بخاصة، فَهُم غالبًا ما تكون فرص حصولهم على الدعم النفسي الاجتماعي محدودة.
10 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 – على مدى سنوات، عاش ملايين الأشخاص في أنحاء إقليم شرق المتوسط دون أن يطمئنوا إلى أن السلام سيسود غدًا.
وفي اليوم العالمي للصحة النفسية هذا العام، تُشدِّد منظمة الصحة العالمية على ما يسببه النزاع وعدم الاستقرار من أثر فادح على الصحة النفسية، لا سيّما للمتضررين من حالات الطوارئ الإنسانية، حيث تكون أيام انعدام الأمن أكثر بكثير من أيام السلام، وتكون الندوب النفسية عميقة ومستديمة.
وهناكأكثر من مليار شخصفي العالم يتعايشون مع اضطرابات الصحة النفسية، حيث يكون القلق والاكتئاب من بين الأسباب الرئيسية للمعاناة والخسارة الاقتصادية. بل إن العبء أثقل على المهاجرين واللاجئين. وبنهاية عام 2024، تعرض أكثر من 123 مليون شخص للنزوح القسري في جميع أنحاء العالم. وتستضيف البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط نسبة كبيرة تبلغ 71٪ من هؤلاء النازحين، حيث تكون نُظُم الرعاية الصحية في تلك البلدان واقعة بالفعل تحت ضغوط هائلة. وفي هذه الأماكن، تكون إمكانية الحصول على خدمات الصحة النفسية محدودة للغاية.
وفي إقليم شرق المتوسط، حيث صُنِّفت 9 من أصل 22 بلدًا على أنها بلدان هشة أو متضررة من النزاعات، كان الضرر الواقع على الصحة النفسية أكبر من بقية بلدان العالم. فالتعرُّض المستمر للعنف، والنزوح المتكرر، والموت والدمار، وتفرُّق الأسر، وفقدان أي شيء مألوف، والشعور بقلة الحيلة بسبب الحرب، ويزيد من حدة كل ذلك نقص الغذاء والمياه النظيفة والخدمات الصحية، يُكلف الصحة النفسية الكثير. ولم يتحقق بعد التأكد من النطاق الكامل لهذا التعرض، ولكن من المؤكد أن الخسائر مرعبة.
وتقولأمهات الأطفال النازحين إن أطفالهم مرعوبين جدًا لدرجة أنهم يخافون من صوت المطر الغزير. وفي سوريا واليمن، نشأت أجيال كاملة لا تعرف إلا الصراع وانعدام الأمن. وفي السودان، أغلقت مستشفيات الأمراض النفسيةوفَرَّ العاملون في مجال الصحة النفسية أو نزحوا، تاركين أولئك الذين يعانون من أزمات دون أي مكان يمكنهم اللجوء إليه. وفي الأرض الفلسطينية المحتلة، استهدفت الهجمات المستشفيات والعاملين الصحيين مرارًا وتكرارًا، وهذا ألحق الدمار بالنظام الصحي، في حين سبَّبَ طنين الطائرات المسيّرة المتواصل في غزة آلامًا نفسية لا تهدأ.
وقالت الدكتورة حنان حسن بلخي، مديرة منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط: "إن ما نشهده في إقليمنا لا يمكن تصوره. فالأطفال ينبغي أن يكونوا قادرين على تخيل المستقبل؛ وأن يحلموا بمكانهم فيه. لكن العديد من الأطفال في أماكن مثل غزة يقولون إنهم يتمنون الموت. إن العالم الذي يفضل فيه الأطفال الموت على الحياة هو عالم سيء للغاية سيكون له عواقب مروعة. وسوف يستمر أثر هذا الوضع على الصحة النفسية لما هو أبعد من وقتنا الحالي".
وقد شاهدت اختصاصية علم النفس السريري نور عاصي الحصيلة مباشرةً في لبنان، حيث استمر العنف المتقطع على الرغم من وقف إطلاق النار منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
وتقول: "أرى أثناء عملي كيف أدى الصراع المستمر وعدم اليقين إلى تفاقم المخاوف المتعلقة بالصحة النفسية. فالكثير من الأشخاص الذين يأتون للكشف يصفون شعورهم المستمر بأنهم على حافة الهاوية أو يائسون أو منفصلون عن الواقع، على الرغم من أن الناس أصبحوا أكثر تعبيرًا، ويتخذون من الروابط المجتمعية والحوار وسيلة لاستعادة السيطرة والتعامل مع العواطف الصعبة".
الصحة النفسية في الاستجابة للطوارئ
تقدم خطة العمل الإقليمية للمنظمة بشأن الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في حالات الطوارئ 2024-2030 خارطة طريق لإدماج الصحة النفسية في كل مستوى من مستويات الاستجابة للطوارئ، وبناء قدرات وطنية مستدامة، وضمان عدم افتقار أي مجتمع إلى الدعم النفسي الاجتماعي.
والتقدم المُحرَز واضحٌ بالفعل. وتعمل المنظمة مع النظم الصحية الوطنية على تدريب العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية على الإسعافات الأولية النفسية؛ وإعدادهم للتعرف على حالات الصحة النفسية ذات الأولوية وعلاجها باستخدام المبادئ التوجيهية والأدوات لبرنامج عمل منظمة الصحة العالمية بشأن سد الفجوات في مجال الصحة النفسية؛ وتمكينهم من تقديم الدعم النفسي والاجتماعي الأساسي من خلال خدمات متاحة وميسورة التكلفة. ويشمل ذلك العمل من خلال العيادات المتنقلة في مجتمعات النازحين وضمان توافر المؤثرات العقلية. ويجري تنفيذ قدر كبير من هذا العمل بالتنسيق مع الشركاء والأطراف المعنية.
وبعد الزلزال الذي ضرب شرق أفغانستان في أيلول/ سبتمبر 2025، نشرت المنظمة على الفور فرقًا للتوعية في مجال الصحة النفسية في المناطق المتضررة، ومنها كونار ونانغارهار ولغمان. وقدمت هذه الفرق، التي تضم أطباء وممرضين واستشاريين مدربين، الإسعافات الأولية النفسية والمشورة والإحالات.
وفي الجمهورية العربية السورية، أدى التحوُّل نحو نظام صحي نفسي مجتمعي إلى توسيع نطاق إتاحة الخدمات. ويقدِّم حاليًا ما يقرب من 50% من جميع مراكز الرعاية الصحية الأولية في البلاد خدمات متكاملة في مجال الصحة النفسية والخدمات النفسية الاجتماعية.
الصحة النفسية بوصفها حقًا وجزءًا أساسيًّا من التغطية الصحية الشاملة
إن الصحة النفسية عنصرٌ أساسي من عناصر التغطية الصحية الشاملة وإتاحة الرعاية الصحية المنصفة. ويُعدُّ إدماج الصحة النفسية في الرعاية الصحية الأولية أمرًا بالغ الأهمية لضمان حصول الناس على خدمات عالية الجودة دون التعرض لضائقة مالية، لا سيما في البلدان التي تواجه الهشاشة والنزاعات.
وأضافت الدكتورة حنان: «لا أعرف كيف سينسى المتضررون من الطوارئ الإنسانية ما مروا به، أو يتغافلون عنه. فوراء الدمار الواضح تكمن خسارة لا تقدر بثمن. وسوف تكون الآثار الحقيقية للحروب وعدم الاستقرار في إقليمنا موضع دراسة لسنوات قادمة. وفي منظمة الصحة العالمية، نرى أن الحصول على خدمات الصحة النفسية حق أساسي من حقوق الإنسان، وسنواصل بذل كل ما في وسعنا للمساعدة على ضمان ألا ترث الأجيال المقبلة هذا العبء من الصدمات النفسية".