مقالة رأي افتتاحية من حقبة عبد الحليم إلى عالم خالٍ من التهاب الكبد: لماذا يجب أن نتَّحِد من أجل القضاء على هذا المرض

بقلم الدكتورة حنان حسن بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط

حين نتحدث عن مرض الكبد، نجد الإحصاءات باعثة على القلق الشديد. فالأعداد باتت بالملايين، وحياة البشر اختُزلت في صورة بيانات. ومع ذلك، قد تحكي حياة شخص واحد قصة كفاح أمة بأكملها ضد هذا المرض.

فكثيرون في العالم العربي يتذكرون عبد الحليم حافظ، ذلك المطرب المصري الاستثنائي الذي لا يزال صوته يحرك القلوب عبر الأجيال. لقد عانى عبد الحليم من تليف الكبد بسبب داء البلهارسيات، وهو أكثر التحديات الصحية إلحاحًا في مصر خلال فترة حياته، وتوفي في عام 1977 عن عمر ناهز 47 عامًا. لقد صمت صوت عبد الحليم نتيجة المضاعفات التي نعرف اليوم كيفية الوقاية منها وعلاجها.

وقبل عقود، كافحت مصر جاهدةً ضد داء البلهارسيات من خلال حملات العلاج الجموعي. ومع ذلك، وبسبب إعادة استخدام الإبر والمحاقن على نطاق واسع، فإن هذه الجهود نفسها نشرت مرضًا آخر لم يكن معروفًا آنذاك، وهو التهاب الكبد C. وبحلول عام 1990، ومع توفُّر خدمات الفحص والاختبار أخيرًا، اكتشفت مصر أنها تحمل عبء أعلى معدل انتشار لالتهاب الكبد C في العالم.

وكان من الممكن أن تنتهي تلك القصة باليأس والإحباط. لكنها بدلًا من ذلك، كانت سببًا في تحقيق أحد أعظم التحولات في مجال الصحة العامة في التاريخ الحديث. ففي عام 2018، أطلقت مصر أكبر حملاتها على الإطلاق لتحري التهاب الكبد وعلاجه من خلال حملة: "100 مليون صحة". وخضع الملايين للفحص. وحصل الملايين على العلاج. وحققت مصر اليوم المستوى الذهبي للقضاء على المرض. وما كان يُعد مستحيلًا في يوم من الأيام بات الآن نموذجًا عالميًّا يُحتذى به.

ونجاح مصر قد ألهَمَ الآخرين بالفعل. فقد وضعت باكستان هدفًا طموحًا يتمثل في فحص نصف السكان المصابين بالتهاب الكبد C وعلاجهم بحلول عام 2027. وتستحق هذه الرؤية الطموحة دعمًا عالميًّا كاملًا.

ولكن ينبغي أن يكون القضاء على التهاب الكبد أولوية لإقليم شرق المتوسط بأكمله، إذ يوجد 27 مليون شخص متعايش مع التهاب الكبد المزمن، منهم 12 مليون شخص متعايش مع التهاب الكبد C، و15 مليون شخص متعايش مع التهاب الكبد B. وفي عام 2022 وحده، سُجِّلت ما يقرب من 270 ألف إصابة جديدة، وفقَدَ ما يقرب من 100 ألف شخص حياتهم. وكل روح من تلك اﻷرواح -مثل عبد الحليم- فتك بها مرض كان يمكن الوقاية منه.

وفي عام 2024، وفَّر إقليمنا نصف جميع علاجات التهاب الكبد C في جميع أنحاء العالم، وهو إنجاز ضخم. والدرس المستفاد هنا واضح: إن التخلص من المرض ممكن. والمطلوب الآن هو التضامن، والاستثمار، والإرادة السياسية الممتدة عبر الحدود، فالقضاء على المرض لا يعني إنقاذ الأرواح اليوم فحسب، بل يعني صون المستقبل، وحماية الاقتصادات، وتحقيق الإنصاف الصحي.

وسوف أبعث بهذه الرسالة يوم الاثنين إلى القيادات الصحية المجتمعة لحضور الاجتماع السنوي الرابع لمجموعة أصدقاء الأمم المتحدة للقضاء على التهاب الكبد، على هامش دورة الجمعية العام للأمم المتحدة: فلا يسعنا أن نسمح لمرض يمكن الوقاية منه أن يُسكِت مزيدًا من الأصوات. فمن خلال العمل المشترك، يمكننا إنقاذ ملايين الأرواح - وإعادة كتابة ملايين القصص.

إن أغاني عبد الحليم لا يزال صداها يتردد في جميع أنحاء العالم العربي. فدعونا إذًا نضمن ألَّا نفقد المزيد من الأصوات بسبب التهاب الكبد، وأن نورِّث الأجيال القادمة عالمًا خاليًا من هذا المرض.