كلمة افتتاحية تُلقيها الدكتورة حنان حسن بلخي المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط في المنتدى العالمي للمشتريات العامة للمنتجات الصحية

4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 - قمرت، تونس

أصحابَ المعالي والسعادة،

الأستاذ الدكتور مصطفى فرجاني، وزير الصحة،

السادة أعضاء الوفود الكرام، والزملاء الأعزاء، والشركاء الموقرون،

لقد أسهمت جائحة كوفيد-19 جذريًّا في إعادة صياغة كيفَ تعامَلَ العالم مع المشتريات وسلاسل الإمداد.

وكشفت كذلك عن مدى هشاشة الأسواق العالمية، وأوجه الإجحاف في الوصول إليها، وعكست حقيقة أن نُظُم المشتريات يمكنها أن تتيح الرعاية المنقذة للأرواح أو أن تعطلها.

وحتى أكثر النُّظُم تقدمًا قد واجهت صعوبات جمَّة خلال تلك الأزمة، وهو ما يدلُّ على أنه ما مِن بلد محصَّن ضد الأزمات العالمية.

وقد بات من الواضح الآن أن المشتريات بحاجة إلى أن تتحول من كونها مجرد وظيفة تقنية  إلى ركيزة استراتيجية للأمن الصحي والتأهب، في ظل القيود الاقتصادية والإجهاد المناخي والتعقيدات الجغرافية السياسية.

ويُعدُّ توافُر القدرة على شراء المنتجات الأساسية وتقديمها -بكفاءة وشفافية وإنصاف- أمرًا بالغ الأهمية ليتمكن كل بلد من حماية شعبه.

وفي إقليم شرق المتوسط، وهو الإقليم الذي يعاني من حالات الطوارئ، تكون تلك التحديات أكثر حدَّة.

فما زالت بلداننا تعاني ويلات النزاع والنزوح والأزمات الممتدة التي تُضعِف النُّظُم الصحية وتُعطِّل الإمدادات الأساسية.

ومع أن الإقليم يمثل أقل من 10% من سكان العالم، فإنه يستأثر بحصة هائلة وغير متناسبة من حجم الإنفاق العالمي للمنظمة على المشتريات.

وفي الثنائية 2024-2025، وُجِّه ما يقرب من 54% من إجمالي مشتريات المنظمة نيابةً عن الدول الأعضاء -أي حوالي 285 مليون دولار أمريكي- إلى إقليمنا، وبشكل أساسي إلى البلدان الهشة والمتضررة من النزاعات والضعيفة.

ويُخصَّصُ أكثر من نصف هذا المبلغ للمنتجات الطبية وحدها، وهو ما يؤكد ضخامة الاحتياجات والدور الحاسم للمشتريات في الحفاظ على استمرار تقديم الخدمات الصحية.

ويبرز هذا الاعتماد الحاجة الملحة إلى إرساء نُظُم وطنية أقوى وأكثر اعتمادًا على الذات.

ولهذا السبب بالتحديد أطلقنا مبادرة رئيسية بشأن توسيع نطاق الحصول المُنصِف على المنتجات الطبية، لمساعدة البلدان على إعادة تشكيل كيفية شرائها، وإنتاجها، وتنظيمها للسلع الصحية الأساسية.

وتستند المبادرة إلى ثلاث ركائز مترابطة:

أولًا، سلاسل للمشتريات والإمداد تواكب العصر وتعتمد على البيانات.

وثانيًا، الإنتاج المحلي والإقليمي.

وثالثًا، وجود نُظُم تنظيمية متينة وفعالة.

وقد أُحرزَ تقدُّم ملموس في هذا المضمار في شتى ربوع الإقليم.

ففي المملكة العربية السعودية، بلغت السلطة التنظيمية مستوى النضج الرابع، وتستعد لتكون أول سلطة في الإقليم مُدرَجة على قائمة المنظمة بحلول عام 2026.

وحققت السلطة التنظيمية في مصر مستوى النضج الثالث وفقًا لتصنيف المنظمة، ويوشك المغرب وباكستان وتونس أن يلحقوا بها.

وفي وقت سابق من هذا العام، أطلقت ستة بلدان في شمال أفريقيا مبادرة مواءمة تنظيم الأدوية لتعزيز التقارب والمراقبة المشتركة.

ومن جهة أخرى، يشهد الإنتاج المحلي تقدمًا ملحوظًا.

فقد وضعت مصر أول استراتيجية وطنية لإنتاج اللقاحات.

وتعمل تونس وجمهورية إيران الإسلامية على توسيع نطاق تصنيع الحمض النووي الريبي (الرنا) المرسال واللقاحات.

‏واستكشف اجتماع إقليمي عُقِدَ في الرياض هذا العام سُبُل البحث والتطوير المشتركين في مجال التكنولوجيات الناشئة‎.

وعلى القدر نفسه من الأهمية، تساعد المنظمة البلدان على تحديث نُظُم المشتريات والإمداد.

وتمضي الجهود قُدُمًا نحو تطبيق آلية شراء إقليمية مجمعة -بالتعاون مع منظمة الصحة للبلدان الأمريكية- بقصد تحسين الكفاءة والتضامن في الحصول على المنتجات الأساسية.

وتهدف هذه الآلية إلى تجميع الطلب من جميع الدول الأعضاء المُشارِكة لضمان الحصول على أسعار أفضل، وجودة متسقة، وخفض الاعتماد على دورات المشتريات المجزأة.

وتلك الآلية هي منصة طوعية تقودها الدول الأعضاء، وتدعمها المنظمة تقنيًّا من خلال: وضع المعايير المشتركة، وإتاحة الأدوات الرقمية وأُطُر ضمان الجودة، وضمان شفافية الحوكمة.

وستبدأ الآلية بالأدوية واللقاحات ذات الأولوية، وستتوسع لتشمل الكواشف المختبرية والأجهزة الطبية بمرور الوقت.

وإلى جانب تحقيق وفورات في الإنتاج الكبير، يعزز الشراء المُجمَّع التضامن والقدرة على الصمود إقليميًّا، الأمر الذي يسمح للبلدان بالتفاوض المشترك، والاستفادة من قوة السوق الجماعية، وضمان عدم إغفال أي بلد أثناء حالات النقص أو الأزمات.

وعلى المستوى القُطري، بدأ التحديث يؤتي ثماره بالفعل.

فقد أدت شبكة المستودعات الرقمية الجديدة في الأردن إلى تقليل أوقات التسليم، والحد من نفاد المخزون، وتعزيز الشفافية.

وتمضي إصلاحات مماثلة في مصر والمغرب قُدُمًا من أجل استحداث نظام تخطيط المشتريات ومراقبتها بالاعتماد على البيانات.

ومع أن هذه التطورات تُبرِز ما يمكن تحقيقه عندما تستثمر البلدان في تعزيز نُظُمها، فلا يزال هناك الكثير الذي يتعين علينا فِعله.

وبوصفنا إقليمًا يعاني من حالات الطوارئ، نعلم أن نُظُم المشتريات القادرة على الصمود تستطيع إنقاذ الأرواح.

لذا، يجب أن تركز المرحلة التالية على تحويل المشتريات من كونها وظيفة داعمة إلى قوة استراتيجية دافعة للصحة العامة والإنصاف والاستدامة في جميع بلدان الإقليم.