الأمراض غير السارية في المغرب: تَحَدٍّ متزايد

ارتفاع ضغط الدم والسكري والسرطان... أمراضٌ فتّاكة صامتة. وفي المغرب، بدأت الاستجابة تتبلور في شكل سياسات مبتكرة وحملات توعية وتوسيع نطاق الحصول على الرعاية.

الأمراض غير السارية في المغرب: تَحَدٍّ متزايد24 أيلول/ سبتمبر 2025 - تُعَدُّ الأمراض غير السارية من أكثر تحديات الصحة العامة إلحاحًا في المغرب. فهي تتسبب فيما يقرب من 85٪ من جميع الوفيات، منها 24٪ من الوفيات بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و70 عامًا.

وكشف المسح الوطني باتباع النهج التدريجي للترصُّد (STEPS) الذي أُجري بين البالغين من عمر 18 عامًا فأكثر في الفترة 2017-2018 لجمع بيانات موحدة عن الأمراض غير السارية وعوامل الخطر المرتبطة بها، أن 94.3% منهم لديهم عامل واحد على الأقل من عوامل الخطر المرتبطة بالأمراض غير السارية. وشملت هذه العوامل التدخين، والنُظُم الغذائية غير الصحية، والخمول البدني، والوزن الزائد. والأرقام تنذر بالخطر: إذ كان 29.3% منهم مصابين بارتفاع ضغط الدم، و10.6% يعانون من السكري، و10.4% في مرحلة ما قبل السكري، و11.7% مدخنين، و21.1% لم يمارسوا نشاطًا بدنيًا كافيًا، و76.3% لم يتناولوا الكمية الموصى بها من الفواكه والخضروات، و53% يعانون من زيادة الوزن و20% يعانون من السمنة.

وإلى جانب الأثر الصحي، تُلقي الأمراض غير السارية بعبءٍ مالي كبير على نظام الرعاية الصحية في المغرب. فثمة أربع حالات (أمراض الكلى في مراحلها النهائية، والسرطان، وارتفاع ضغط الدم الشديد، والسكري) تستهلك وحدها أكثر من 73٪ من الإنفاق على الأمراض على المدى الطويل.

وفي حين يتزايد الطلب على الرعاية، لا تزال الموارد محدودة. وتبلغ نسبة توافر العاملين في مجال الرعاية الصحية 1.5 فقط لكل 1,000 شخص، وهذه النسبة أقل بكثير من النسبة المستهدفة البالغة 4.45 التي حددتها الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

ويثير هذا الوضع قلقًا أكبر في سياق التحوُّل الديمغرافي في المغرب. ومع ارتفاع متوسط العمر المتوقع وانخفاض معدلات الخصوبة، يشيخ السكان بسرعة. وفي الوقت الحالي، يتعايش 2.57 مليون من كبار السن مع مرض واحد على الأقل من الأمراض غير السارية. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن هذا العدد يمكن أن يصل إلى 3.9 مليون شخص بحلول عام 2030، وفقًا للجنة العليا للتخطيط.

استراتيجية وطنية للاستجابة المتعددة القطاعات

لمواجهة هذه التحديات، أطلقت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية الاستراتيجية الوطنية المتعددة القطاعات للوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها (2019-2029)، مدعومة بميثاق وطني وقعه 25 شريكًا، من بينهم 13 وزارة حكومية.

وقد أحرز المغرب تقدمًا كبيرًا في تنفيذ هذه الاستراتيجية، بدءًا من بناء مراكز علاج الأورام ومستشفيات الأمراض النفسية ومراكز إحالة الصحة الإنجابية ومراكز علاج الإدمان وتجهيزها بدعمٍ من مؤسسة محمد الخامس للتضامن.

ونُفذت برامج فحص مُنَظَّمَة لسرطان الثدي وسرطان عنق الرحم والسكري والأمراض القلبية الوعائية. وعلاوة على ذلك، وضع المغرب مبادئ توجيهية سريرية وبروتوكولات علاجية، لا سيما للسكري والسرطان، وعزز قدرات المهنيين في مجال الرعاية الصحية من خلال إدماج التدبير العلاجي للأمراض غير السارية في خدمات الرعاية الصحية الأولية من خلال حزمة تقنية أطلقتها المنظمة باسم (HEARTS) للتدبير العلاجي لأمراض القلب والأوعية في الرعاية الصحية لتحسين صحة القلب والأوعية الدموية.

وبدعم من المنظمة، أجرت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية العديد من المسوح الوطنية، منها مسح باتباع النهج التدريجي (STEPS) لترصد عوامل خطر الأمراض غير السارية في الفترة 2017-2018 والنسخ المتعددة للمسح العالمي المعني بالشباب والتبغ، لرصد انتشار عوامل خطر الإصابة بالأمراض غير السارية.

وعلاوة على ذلك، تهدف استراتيجية المغرب للإصلاح الصحي (2019-2029) إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة من خلال التأمين الصحي الإجباري، بما في ذلك التأمين ضد الأمراض غير السارية. وتشمل الاستراتيجية الوقاية من عوامل الخطر (مثل النظام الغذائي غير الصحي والتبغ والكحول والخمول البدني)، وإدماج الرعاية الخاصة بالأمراض غير السارية في الخدمات الصحية الأولية، وحملات التوعية الرامية إلى تعزيز أنماط الحياة الصحية.

وبالإضافة إلى ذلك، وُضعت عدة خطط استراتيجية متعددة القطاعات، وهي: خطة للصحة النفسية (غاياتها المستهدفة في عام 2030)، وخطة للوقاية من الإدمان والتدبير العلاجي له (2024-2030)، وخطة للسكري (2025-2034)، وخطتان وطنيتان لمكافحة السرطان (2010-2019 و2020-2029).

الرعاية المُلطِّفة: استجابة تركز على الإنسان لعلاج الأمراض غير السارية

هناك أكثر من 163,000 مغربي يحتاجون إلى الرعاية الملطفة كل عام بسبب الأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والاضطرابات التنكسية العصبية. وأصبح من المعترف به الآن أن الرعاية الملطفة، التي كانت تُغفَل في السابق، ركيزةٌ استراتيجيةٌ للنظام الصحي في المغرب. ومنذ عام 2010، أُدمِجَت في الخطة الوطنية للسرطان، إلى جانب التحري والتشخيص والعلاج. وهذا يعكس تحوّلًا نحو اتباع نهج شامل ورحيم إزاء الصحة يركّز على تخفيف المعاناة والحفاظ على كرامة المرضى.

وبالتعاون مع المنظمة، أنشأ المغرب وحدات للرعاية الملطفة في جميع المستشفيات الجامعية والمراكز الإقليمية لعلاج الأورام، ونَشَرَ فرقًا متنقلة لتقديم الرعاية المنزلية. ووضعت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية دليلًا عمليًّا وإطارًا وطنيًّا لتقييم الرعاية الملطفة استنادًا إلى مؤشرات منظمة الصحة العالمية، واستحدثت برامج معتمدة للتعليم المستمر بشأن الرعاية الملطفة للعاملين في مجال الرعاية الصحية، مع إدماج وحدات تدريبية في مناهج التدريب الطبي.

وتعكس مكافحة المغرب للأمراض غير السارية تحوُّلًا أوسع نطاقًا في نظامه الصحي يضع الناس في بؤرة الاهتمام. ويبرهن إدماج الرعاية الملطفة في الاستراتيجية الوطنية على الالتزام الذي لا يقتصر على معالجة الأبعاد الطبية فحسب، بل يعالج أيضًا الأبعاد الإنسانية والاجتماعية للأمراض المزمنة، وهذا يمهد الطريق أمام نظام صحي أكثر إنصافًا وقدرةً على الصمود وتركيزًا على الناس.