من العبء إلى العمل: تونس تُكثِّف جهود مكافحة الأمراض غير السارية

من العبء إلى العمل: تونس تُكثِّف جهود مكافحة الأمراض غير السارية30 أيلول/ سبتمبر 2025، تونس، الجمهورية التونسية - تواجه تونس أحد أكبر أعباء الأمراض غير السارية في إقليم شرق المتوسط. ويرتبط ما يقرب من 86٪ من الوفيات بأمراض مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض التنفسية المزمنة والسكري والسرطان. فأمراض القلب والأوعية الدموية وحدها تتسبب في أكثر من 30% من جميع الوفيات. وترتفع معدلات السمنة والسكري ارتفاعًا حادًا، لا سيما بين النساء والشباب.

وتكمن وراء هذه الأرقام عوامل هيكلية تتمثل في التوسع الحضري وانعدام الأمن الغذائي والبطالة وعوامل نمط الحياة. وتنتشر النظم الغذائية غير الصحية والخمول البدني على نطاق واسع. ومعدلات التدخين آخذةٌ في الازدياد، لا سيما بين الشباب والنساء.

من المبادئ إلى اتخاذ إجراءات: التعاون المتعدد القطاعات

إدراكًا من الحكومة التونسية بأن الحصائل الصحية تحددها مجموعة واسعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، فإنها تعمل، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، على النهوض بنَهج إدماج الصحة في جميع السياسات. وينطوي ذلك على المشاركة النشطة مع قطاعات أخرى غير قطاع الصحة، منها التعليم والشباب والرياضة والشؤون الثقافية والشؤون الدينية والتعليم العالي والمجتمع المدني، من أجل التصدي للمحددات الأوسع نطاقًا للصحة والرصد المشترك للتقدم المُحرَز.

ويساعد برنامج المدن الصحية البلديات على تعزيز العافية من خلال تحسين الحوكمة الحضرية والمشاركة المدنية والوقاية من السلوكيات الخطرة مثل تعاطي المخدرات.

 وتُعَدُّ السلامة على الطرق مثالًا آخر على النَهج المتعدد القطاعات. وبدعم من المنظمة، أطلقت تونس الخطة التنفيذية للسلامة على الطرق للفترة 2024-2034، وتهدف إلى الحد من الوفيات الناجمة عن حوادث المرور بنسبة 50% بحلول عام 2034. وتجمع الخطة بين الوكالات الحكومية والمجتمع المدني والمجتمعات المحلية والقطاع الخاص لحماية المستخدمين المُعرَّضين للمخاطر وتحسين البنية الأساسية وتعزيز السلوكيات المأمونة. ومن خلال التعامل مع التنقُّل بوصفه أولوية من أولويات الصحة العامة، تبين تونس كيف يمكن للتعاون بين القطاعات أن يُنقذ الأرواح.

وقد ساعدت السياسة الصحية الوطنية لعام 2030 في تونس، التي اعتُمدت رسميًا في عام 2021 بتوقيع الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات المهنية على الميثاق الوطني لإصلاح النظام الصحي، على بناء قوة الدفع اللازمة. واضطلعت المنظمة بدور رئيسي في العملية التي ارتقت بالوقاية من الأمراض غير السارية إلى صدارة الخطة الوطنية وساعدت على ضمان إدماج الإنصاف والشفافية ومشاركة المواطنين بوصفها مبادئ توجيهية.

استراتيجية وطنية للوقاية من الأمراض غير السارية

منذ عام 2017، اضطلعت وزارة الصحة، بدعمٍ من المنظمة، بقيادة عملية وضع الاستراتيجية الوطنية المتعددة القطاعات للوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها (2018-2025). وقد تُرجمت الاستراتيجية إلى تقدم ملموس على الرغم من التحديات.

وُضِعَت اللمسات الأخيرة على خطة تنفيذية مدرجة في الميزانية، وجرت مواءمتها مع أولويات التنمية الوطنية.

أحرِزَ تقدمٌ في مكافحة تعاطي التبغ من خلال تنقيح التشريعات والدعوة إلى زيادة الضرائب المفروضة على التبغ وإعداد مبررات جديدة للاستثمار تبيّن التكلفة الاقتصادية لتعاطي التبغ.

نجحت حملات التوعية، مثل اليوم العالمي للامتناع عن التدخين، وتشرين الأول/ أكتوبر الوردي، واليوم العالمي للسكري، في حشد مشاركة الجمهور.

تعمل شراكة مع وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأوليمبية الوطنية على تعزيز النشاط البدني على الصعيد الوطني.

أُحرِزَ تقدمٌ في بحوث السرطان، منها دراسات عن النجاة من هذا المرض في معهد صلاح عزيز.

أظهر وضع ميثاق وطني لمكافحة التبغ والتوقيع عليه من جانب 9 وزراء في عام 2023 التزامًا سياسيًّا ومشاركة متعددة القطاعات لحماية السكان من تعاطي التبغ.

يؤدِّي إنشاء التحالف التونسي لمكافحة التبغ، الذي يضم 9 اتحادات وجمعيات علمية، دورًا رئيسيًّا في إذكاء الوعي، والدعوة إلى سياسات مكافحة التبغ، واستنهاض المواطنين.

وقد تحقق نجاح تنفيذ الرؤية الاستراتيجية التي وضعتها الحكومة التونسية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمات المجتمع المدني بفضل الدعم التقني والتنفيذي القوي الذي قدمته منظمة الصحة العالمية.

المشاركة المجتمعية: عندما تجتمع الصحة والثقافة والرياضة

تركز مكافحة تونس للأمراض غير السارية على الناس بقدر تركيزها على السياسات والاستراتيجيات. وتؤدي المبادرات الإبداعية والمجتمعية إلى زيادة استقطاب التثقيف الصحي للمشاركة وسهولة الحصول عليه وزيادة تأثيره.

سينما تدور في حي هلال

في أحد الأحياء الأكثر معاناة من نقص الخدمات في تونس، أصبحت السينما أداة لتعزيز الحوار بشأن التدخين والإدمان والصحة النفسية والعنف القائم على نوع الجنس. وشارك أكثر من 4,000 من السكان في التحري وحلقات العمل والمناقشات، وأدى ذلك إلى تغيير السلوك وأسند إلى الشباب وقادة المجتمعات المحلية المسؤولية عن الحلول.

المسرح من أجل الصحة (رأس الجبل)

بالمشاركة مع الممثل التونسي والخبير في الوساطة الثقافية رؤوف بن يغلان، تحولت الرسائل عن صحة القلب والأوعية الدموية إلى أداء مقنع. ويشارك الممثلون الشباب والسكان في إعداد مسرحيات تقام في المقاهي والمدارس والأماكن العامة، وتصل إلى جماهير متنوعة وتشجع الحوار بشأن التدخين والتغذية والعافية.

نزهة عائلية

في اليوم العالمي للامتناع عن التبغ لعام 2023، نَظَّمت تونس فعالية "نزهة عائلية" في جميع المحافظات البالغ عددها 24 محافظة. وانضم أكثر من 29,000 مشارك، من بينهم أطفال ونساء وأشخاص ذوي الإعاقة، من جميع الفئات العمرية. ويجمع البرنامج بين ممارسة الأُسَر لرياضة المشي، ومشاهدة العروض الرياضية، والاستماع إلى الموسيقى، ومسابقات الرسم، والعروض الثقافية. وهناك منصات تفاعلية يقوم عليها مهنيون صحيون تقدم اختبارات للإدمان على النيكوتين، وتقدم المشورة وتحيل إلى خدمات الإقلاع عن التدخين. وتلقى أكثر من 4,100 شخص جلسات توعية مباشرة، واستكمل ما يقرب من 2,000 مدخن تقييمات لإدمانهم، وأُحيل أكثر من 1,200 مدخن للحصول على دعم الإقلاع عن التدخين.  واختتمت المبادرة بتوقيع 9 وزراء على ميثاق وطني بحضور رئيس الحكومة.

مدارس خالية من التبغ وبرنامج الألعاب الرياضية للأطفال

في عام 2025، طرحت تونس ميثاقًا وطنيًّا للمدارس الخالية من التبغ في 19 منطقة تعاني نقصًا في الخدمات، وذلك لحماية الأطفال من التعرض للتبغ والسجائر الإلكترونية، في حين نجح برنامج الألعاب الرياضية للأطفال في جذب أكثر من 7,000 طالب للمشاركة في أنشطة مرحة قائمة على المهارات، في ظل وجود مدرسين مدربين يعززون النشاط البدني.

البيانات والابتكار: السياسات المسندة بالبيّنات

دعمت المنظمة تعزيز نظم المعلومات الصحية الرقمية في تونس، والبحوث، ومنها دراسات النجاة من المرض وترصُّد الأمراض غير السارية. وتستند السياسات الوطنية المعنية بمكافحة التبغ والتغذية والصحة النفسية في الوقت الحالي على هذه الأدوات المسندة بالبيّنات، ويضمن ذلك استرشاد التدخلات ببيانات قوية ومصممة خصيصًا لتلبية احتياجات السكان.

قصص النجاح وسُبُل المُضي قُدُمًا

حافظت تونس على استمرار الخدمات الأساسية في مجال الأمراض غير السارية طوال فترة جائحة كوفيد-19، فتمكنت بذلك من ضمان استمرارية الرعاية من خلال زيارات المتابعة في المناطق. وأنشأ البلد أيضًا لجنة تقنية معنية بالأمراض غير السارية تساعد على ضمان تَحقُّق الحوكمة المتعددة القطاعات بدلًا من أن تظل مجرد غاية مرجوّة.

وكان من أبرز جوانب النَهج التونسي إدماج الصحة والثقافة والرياضة لتعزيز الأنماط الحياتية الأوفرَ صحة. ومن خلال ربط تعزيز الصحة بالأحداث الثقافية وبرامج النشاط البدني، لا سيما للشباب، تعمل تونس على تعزيز المشاركة المجتمعية وتشجيع تغيير السلوك على نحو يتوافق مع القيم والاهتمامات المحلية. ويساعد هذا التعاون بين القطاعات على تحويل التصور العام للصحة من قضية طبية إلى هدف مجتمعي مشترك.

وتُظهر تجربة تونس أنه حتى في ظل العبء الثقيل للأمراض غير السارية، يمكن إحراز تقدُّم في ظل تلاقي الإرادة السياسية والمشاركة المجتمعية والعمل المتعدد القطاعات.

فمن خلال النهوض ببرنامج إدماج الصحة في جميع السياسات، والاستثمار في الابتكار والبيانات، وتوسيع نطاق المبادرات الإبداعية التي تركز على المجتمع، ترسم تونس مسارًا يمكن أن يُلهم نظيراتها من البلدان في جميع أنحاء إقليم شرق المتوسط.