بيان الدكتورة حنان حسن بلخي المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط في المؤتمر الصحفي للمبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال في أسبوع أبوظبي المالي

4 كانون الأول/ ديسمبر 2025

يدخل إقليم شرق المتوسط اليوم منعطفًا حاسمًا في الجهود المبذولة لاستئصال شلل الأطفال.

فبعد عودة ظهور فيروس شلل الأطفال البري في عام 2023 وبلوغه الذروة في عام 2024، نرى الآن انخفاضًا في سريانه في كلٍّ من أفغانستان وباكستان، رغم تفاوُت التقدم المُحرز في كل منهما. ولا تزال بعض المناطق المعرَّضة لخطر شديد تحتفظ بجيوب لسريان الفيروس، الأمر الذي يهدد المكاسب التي تحققت في سائر أنحاء الإقليم.

واليوم، نقف أمام مرحلة وبائية مصيرية. إذ يتيح الموسم المقبل لانخفاض سريان الفيروس أقوى فرصة منذ عام 2022 لوقف انتشار فيروس شلل الأطفال البري، لكن هذا لن يحدث إلا إذا ركزنا بإصرار لا يلين على المناطق التي ما زال ينتشر فيها.

وما فتئت فيروسات شلل الأطفال المتحورة تمثل تحديًا كبيرًا، لا سيما في شمال اليمن وجنوب وسط الصومال. وتدل الوِفادات المتكررة للفيروس إلى جيبوتي والسودان ومصر على أن الفيروس لن يترك ثغرة مناعية إلا وينفذ منها.

وينكشف كل ذلك في ظل ما يشهده الإقليم من حالات طوارئ هي الأكثر تعقيدًا في العالم. إذ يحتاج أكثر من 115 مليون شخص في إقليمنا إلى مساعدات إنسانية. وفي عام 2025 وحده، استجبنا لما يصل إلى 61 فاشية للأمراض وثلاث من أكبر أزمات النزوح في العالم. ولا يزال الانخفاض المستمر في التغطية بالتمنيع الروتيني يزيد من خطر انتشار شلل الأطفال، وغيره من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات.

وتكثف البلدان الآن جهودها لتعزيز التمنيع الروتيني وإدماج برامج شلل الأطفال في البرنامج الأساسي للتمنيع. ويساعد التخطيط التفصيلي المشترك، وتبادُل البيانات، وتوفير المستضدات بشكل جماعي، وتوسيع نطاق التوعية على الوصول إلى الأطفال غير الحاصلين على أي جرعات أو الذين لم يحصلوا على التمنيع الكافي.

وحتى في أشد الأماكن صعوبة، يمكن وقف الفاشيات حين يتمكن القائمون على التطعيم من الوصول إلى الأطفال - تمامًا مثلما حدث في غزة، حيث أُجريت ثلاث جولات سريعة وعالية الجودة أوقفت انتقال العدوى في غضون أشهر.

وما يمنحنا ثقة كبيرة في نجاح تلك الجهود هو الإرادة السياسية والتضامن الإقليمي غير المسبوقين اللذين يدفعان جهود استئصال شلل الأطفال قُدُمًا. ففي باكستان مثلًا، يُشرِف رئيس الوزراء بنفسه على الجهود المبذولة. ولا تزال القيادات الصحية وحكام المقاطعات في أفغانستان يبذلون جهودهم لاستنهاض الهمم واستنفار الجهود في المجتمعات المحلية. وزادت كثافة التنسيق عبر الحدود، وهو ما يضمن تزامن الحملات وتبادل البيانات على طول ممرات الهجرة. وأطلق رئيس وزراء الصومال فرقة عمل وطنية، في حين يعمل وزراء من جيبوتي والسودان واليمن على تعزيز التنسيق بين البلدان.

ويواكب هذا الالتزامَ دعمٌ استثنائي من الشركاء. حيث تعهدت المملكة العربية السعودية، في مبادرة لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، بتقديم تمويل تاريخي قوامه 500 مليون دولار في هيئة استثمار تحويلي. وتواصل الإمارات العربية المتحدة، تحت رعاية رئيسها، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، تقديم اللقاحات المنقذة للحياة إلى الملايين من الناس. وتعمل مبادرة "تحدي القضاء على شلل الأطفال" -المدعومة من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة- على تعزيز الرعاية الصحية الأولية والتمنيع الروتيني، إلى جانب تسريع وتيرة استئصال شلل الأطفال في أفغانستان.

غير أن الحفاظ على هذا الزخم يتطلب تمويلًا يمكن التنبؤ به لسد الفجوات المناعية المتبقية. وهنا، يأتي الإعلان عن التزام أبوظبي في توقيت دقيق للغاية: فهو من شأنه أن يدعم البلدان في هذا الموسم المهم لانخفاض سريان الفيروس، ويضمن حصول كل طفل، في كل مكان، على الحماية التي يستحقها.