رسالة من الدكتور أحمد بن سالم المنظري مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط بمناسبة اليوم العالمي للمتبرعين بالدم

تحتفل البُلدان، في جميع أرجاء العالم كل عامٍ، باليوم العالمي للمتبرعين بالدم في 14 حزيران/ يونيو. وتُركِّز حملة هذا العام على المرضى الذين يحتاجون طوال حياتهم إلى نقل دم أو بروتينات البلازما. وهذه الحملة تسلط الضوء على الدور الذي يمكن أن يؤديه كل شخص، من خلال منح الهدية الثمينة المتمثلة في الدم أو البلازما بانتظام، لضمان وجود إمدادات مأمونة ومستدامة من الدم ومنتجاته لجميع المحتاجين إليه.
فالحصول على إمدادات الدم المضمونة بفضل التبرع الطوعي دون مقابل أمرٌ بالغ الأهمية لجميع المرضى، ومنهم مرضى كثيرون يحتاجون إلى نقل دم بانتظام طوال حياتهم لعلاج أمراض مثل فقر الدم المنجلي والثَّلاسيمِيَّة. وفي بعض بلدان إقليمنا، يُستخدم أكثر من نصف تبرعات الدم لمرضى الثَّلاسيمِيَّة. والتبرع الطوعي بالبلازما بلا مقابل له دورٌ مهم أيضًا في دعم المرضى المصابين بمجموعة متنوعة من الحالات المرضية الطويلة الأمد، مثل الناعور ونقص المناعة.
ولكنَّ خدمات الإمداد بالدم في العديد من بلدان الإقليم تواجه تحديًا في توفير كميات كافية من الدم، مع ضمان جودتها ومأمونيتها . ويؤثر نقص إتاحة الدم المأمون ومنتجاته المأمونة على جميع المرضى، ومنهم المرضى الذين يحتاجون إلى نقل دم بانتظام. وتوجد أيضًا حاجة إلى زيادة التبرع بالبلازما، لكي يُتاح للمرضى القدر الكافي من بروتينات البلازما المُنقذة للأرواح.
ووفقًا لإطارنا الاستراتيجي لمأمونية الدم وتوافره (2016-2025)، والرؤية الإقليمية المتمثلة في الصحة للجميع وبالجميع، أدعو جميع البلدان إلى تحسين إتاحة الدم وبروتينات البلازما في إطار التغطية الصحية الشاملة. فيجب على البلدان: توفير الموارد الكافية وإرساء النُّظُم والبنية الأساسية اللازمة لزيادة عمليات جمع الدم والبلازما من المتبرعين بهما طوعًا وبانتظام وبلا مقابل؛ وتقديم رعاية عالية الجودة للمتبرعين؛ وتعزيز الاستخدام السريري الملائم للدم؛ ووضع نُظُم للرقابة والترصد في جميع مراحل سلسلة الإمداد بالدم والبلازما واستخدامهما السريري.
إن كلَّ تبرع بالدم أو البلازما هديةٌ ثمينة مُنقذة للأرواح، والتبرع الطوعي المنتظم دون مقابل أمرٌ لا غنى عنه لتوفير إمدادات مأمونة ومستدامة من الدم والبلازما بوصفها جزءًا لا يتجزأ من تقديم الرعاية الصحية.
وتدعو منظمة الصحة العالمية جميع بلدان الإقليم إلى الاحتفاء بهذا اليوم المهم والاستفادة منه كفرصة للدعوة إلى التبرع الطوعي بالدم والبلازما، وإلى تشجيع الجميع، وخصوصًا الشباب الذين لم يتبرعوا بعدُ بالدم أو البلازما، على الشروع في التبرع. وفي الوقت ذاته، أودُّ أن أتوجه بالشكر لجميع الأشخاص الذين تبرعوا بالفعل بالدم والبلازما، وساهموا في جعل إتاحة الدم المأمون وبروتينات البلازما المأمونة حقيقةً واقعةً.
فمن فضلك، "تبرَّعْ بالدم والبلازما وكن سخيًّا في مشاركة الحياة".
منظمة الصحة العالمية تدين قتل المدنيين وإحدى أعضاء فريق منظمة الصحة العالمية في هجومٍ مركب متعدد العناصر على فندق في الصومال
مقديشو، 11 حزيران/يونيو 2023 - تدين منظمة الصحة العالمية بأشد العبارات الممكنة الهجوم المركب متعدد العناصر على فندق ومطعم "بيرل بيتش" الواقع في منطقة عبد العزيز بمقديشو، الصومال، في 9 حزيران/يونيو 2023، والذي أسفر عن مقتل 16 مدنيًا بريئًا، ومن بينهم إحدى العاملين في المنظمة وتحمل الجنسية الصومالية. وعلاوة على ذلك، فقد أسفر هذا الحادث المأساوي عن إصابة أكثر من 10 أشخاص بجروح.
وقال الدكتور أحمد المنظري، مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط: "يتملَّكنا الفزعُ للخسارة الرهيبة في الأرواح في هذا الهجوم العبثي، ومنهم الزميلة نصرة حسن، الموظفة الصومالية الجنسية في منظمة الصحة العالمية. وقد التحقت نصرة، ابنة السبعة وعشرين عامًا، بالمكتب القُطري لمنظمة الصحة العالمية في الصومال لدعم عمليات الاستجابة للطوارئ الناجمة عن الجفاف في ولاية جوبالاند بالصومال. وكانت معروفة بين زملائها بتفانيها وطموحها والتزامها. وإننا لنتقدم بخالص تعازينا لأسرة نصرة، ولأسر جميع مَن لقوا حتفهم جراء الهجوم وأصدقائهم".
وقال الدكتور مالك مامونور، ممثل منظمة الصحة العالمية في الصومال: "ندين بأشد العبارات هذا الهجوم الشنيع على فندقٍ، فأودى بحياة الكثيرين، وفيهم الحياة الغالية لزميلتنا العزيزة نصرة. وإننا لندين جميع الهجمات التي تستهدف المدنيين الأبرياء والعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية، ونعرب عن أحرّ تعازينا لجميع أفراد عائلات الذين قضوا في هذا الهجوم".
هذا، وتلتزم منظمة الصحة العالمية بمواصلة الجهود الرامية إلى الحفاظ على الصحة والاستجابة للطوارئ في الصومال. وتؤكد المنظمة أن سلامة موظفيها وأمنهم عاملٌ بالغ الأهمية في ضمان استمرار عمليات الاستجابة المنقذة للأرواح.
بعد أن غادرت السودان: ها هي نادية تبتسم، كدأب الشجعان
الصورة بواسطة: ياسمين علي
للوهلة الأولى، لا يمكن للمرء أن يتخيل عند لقاء نادية (وهذا ليس اسمها الحقيقي) أنها قد خاضت مؤخرًا ستة أسابيع متواصلة من الخوف المستمر والشعور الشديد بالخسارة والفقد. وكما هي الحال مع معظم السودانيين - الذين لا يزالون قادرين على الصمود بشكل ملهم في مواجهة العديد من حالات الطوارئ الصحية - تخفي نادية معاناتها وراء ابتسامة مشرقة وأسلوب تعامل سلس.
ومع أن نادية أكدت سلامة جميع مَن تعرفهم عند سؤالها عما إذا كانوا آمنين أم لا، إلا أن مرارتها وألمها تكشفا في وقت لاحق من الحوار حين ذكرت وفاة زوجة أحد الأصدقاء وشقيقه عندما فتح رجال مسلحون النار على سيارتهم. وقالت، وقد علت وجهها الابتسامة من جديد: "لأجل أشقائي الصغار، أخفيت خوفي ورعبي وراء ستار من التفاؤل" ثم ما لَبِثَت أن أقرت بعد صمتٍ وجيزٍ قائلة: "لكن شعوري الأقوى كان اليأس المطلق".
هل شهدت نادية تأثيرًا للهجمات على المرافق الصحية على حياة أشخاص تعرفهم؟ أكدت نادية أن كل أسرة في الخرطوم عانت أمورًا مماثلة وأنها تعرف حالات تأثرت بتلك الهجمات، وذكرت أمثلة عليها قائلة:"نعم، كان لديَّ أصدقاء يبحثون بكل السبل عن أدوية منقذة للحياة لوالديهم المرضى، ووالد صديقة يعاني مشاكل في القلب لم يتمكن من الوصول إلى المستشفى، فاصطحبته ابنته في رحلة مدتها 8 ساعات من الخرطوم لتصل به إلى العناية المركزة، ولم تتمكن القريبات الحوامل من الذهاب إلى الزيارات الطبية المقررة، واضطرت بعضهن إلى الولادة في المنزل في ظروفٍ مروعة، وعجز والد صديق مقرب عن الذهاب إلى مركز لغسيل الكلى بسبب اشتباكات عنيفة في حينا وتدهورت حالته بشكل سريع حتى تمكنت ابنته من نقله حتى عبور الحدود ثم نقله إلى المملكة المتحدة".
وبصرف النظر عن الاحتياجات المتنوعة لشعب السودان اليوم فيما يخص الصحة البدنية، بدءًا من علاج الإصابات الرضحية الناجمة عن العنف المستمر إلى أدوية الأمراض المزمنة وعلاج الأمراض المنقولة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، فإن احتياجات الصحة النفسية صارت هائلة هي الأخرى بالقدر نفسه. في أسى وبزفرة حسرة، قالت نادية وهي تحاول جاهدة وضع ابتسامة خافتة على شفتيها: "كنت ولا أزال تنتابني مجموعة متنوعة من المشاعر بدءًا من الخوف الشديد والارتباك والغضب عندما كانت عيناي تشهدان تدمير الخرطوم الحبيبة".
وتذكر نادية اللحظة الحاسمة التي أدركت فيها العائلة أن الوقت قد حان للرحيل:
"أتذكر تلك اللحظة بوضوح. كان ذلك يوم الاثنين الموافق 24 نيسان/ أبريل. وكان دويّ قذائف المدفعية قد صار قويًا جدًا وقريبًا جدًا من البيت؛ حتى إن النوافذ كانت تهتز مع وقعِ إطلاق النار المستمر. وفي حين حاولت أخواتي الصغيرات النوم في تلك الليلة، جلسنا أنا وأمي بجانبهن على الأرض. توسلت إليها وأخذت أحاول إقناعها بالمنطق أن تلك الفتيات الصغيرات يستحققن وضعًا أفضل من هذا، خاصة وأن مخزون الطعام لدينا كان قد تدنى وصارت الكهرباء تنقطع أكثر فأكثر. ثم اتخذنا أخيرًا قرارًا جماعيًا بالرحيل إلى القاهرة. ومع أن عمي الذي يعيش معنا قد وَجَدَ قبل بضعة أيام رصاصات في جدار المطبخ، فإنه قرر البقاء وعدم اللحاق بنا، قائلاً: "إن هذا هو المنزل الذي يعرفه منذ 40 عامًا"، وكرر: "لن أترك هذا المنزل ومعي ربي يحميني ويهديني." وكان تركه هناك واحدة من أصعب اللحظات التي عشتها."
وعندما سُئلت نادية إذا كانت قد شعرت بتحسن على إثر المغادرة والخروج من هناك قالت: "بالتأكيد شعرت براحة، ولكن شعرت أيضًا بألمٍ وشعور بالنزوح والتشرد. وانهمرت دموعي عندما أعلن السائق مغادرتنا ولاية الخرطوم وتوجهنا إلى حلفا".
وفي حين يغلب أن يسرد لاجئون آخرون تجاربهم، فإن نادية قد شردت في تأمل حتى استدركت الأمر وكأنها قد عادت فجأة من خواطرها وأفكارها التي حملتها بعيدًا إلى اللحظة الحالية: "في الليلة الأولى التي قضيناها في حلفا، كان الصمت والهدوء غريبين جدًا بالنسبة إلي ... كان من غير المألوف لي أن أنام دون خوف أن السقف قد ينهار على رؤوسنا في أي ثانية. كانت أول مرة أنام فيها لأكثر من ثلاث ساعات منذ تسعة أيام".
وماذا عن الآن، هل تعيشين في أمان من جديد؟ ابتسمت نادية وأجابت: "يجثم على صدري شعور لن يزول بكارثة قادمة".
"إما أن نرحل لأجل فرصة للعيش أو نموت"، كلمات مهاجر سوداني إلى منظمة الصحة العالمية بعد أن وصل مؤخرًا إلى مصر
بحسب السلطات المصرية، حتى 19 أيار/مايو 2023، عَبَرَ الحدود ما يقرب من 132000 شخص من السودان إلى مصر، ويمثل المهاجرون السودانيون 91% منهم. مصدر الصورة: منظمة الصحة العالمية، مصر
القاهرة، 24 أيار/ مايو 2023 - عبر أكثر من 248000 شخص الحدودَ خروجًا من السودان إلى الدول المجاورة، وهي تشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان، هربًا من انعدام الأمن الناجم عن القتال الدائر في البلدِ وتعذر الحصول على الخدمات الصحية بسبب الهجمات المسلحة المتكررة على المرافق الصحية. وفيما يلي محادثة موجزة أجرتها منظمة الصحة العالمية مع رجل سوداني أمضى 17 يومًا في الرحلة من الخرطوم إلى القاهرة، ومعه والديه وأشقائه.
بكلمة واحدة، كيف تصف الوضع في الخرطوم؟
كابوس.
هل جميع من تعرفهم سالمون لم يتعرضوا لأذى؟
للأسف، لا. فأفراد من عائلتي الكبيرة لا يزالون موجودين هناك، ونُهبت بيوت بعضهم.
ما أصعب وقت مر عليك؟
مغادرة منزلنا وذكرياتنا فيه دون معرفة ما إذا كنا سنعود إليه مرة أخرى أم لا. فهذا قرار صعب خاصة عندما تدرك أنك ستترك وراءك كل ما عمل والداك لأجل تحقيقه.
غالبًا ما تنتابنا مشاعر مختلطة في أثناء الأزمات. فماذا كانت مشاعرك؟
لم يراودني أمل، بل تملَّكني الغضب والخوف؛ الخوف من فقدان أحد أفراد عائلتي أو أصدقائي، والخوف من التعرض للسرقة - وهذا ما حدث لي في نهاية المطاف.
هل أثرت الهجمات على المرافق الصحية عليك أو على شخص آخر تعرفه؟
لقد أثر الهجوم على المركز الطبي الوطني على جميع الصيدليات، ولم يعد بإمكاني الحصول على الأدوية اللازمة الموصوفة لوالديَّ. ولقد قطعنا هذه الرحلة الطويلة تحديدًا بسبب حالتهم الصحية لأنهم ما كانوا لينجوا لو ظلوا هناك في بلدنا.
هل احتاج شخص تعرفه لزيارة طبيب عام لكنه لم يستطع؟
والدي مصاب بداء السكري. ولم يكن بإمكاننا سوى استشارة الطبيب عبر الهاتف، لأن الوصول إليه كان مستحيلاً.
هل تعرف شخصًا يعاني حالة مزمنة تتطلب علاجًا منتظمًا ولم يكن العلاج متوفرًا له؟
نعم، حدث ذلك مرات كثيرة! فمثلاً، يعاني ابن عمي فشلاً كلويًا ولم يستطع الوصول إلى المستشفى.
ما الذي جعلك تقرر أنه حان وقت الرحيل؟
كان الرحيل الخيار الوحيد المتبقي. فإما أن نرحل أو نموت.
بِمَ مررت في أثناء الرحلة من الخرطوم إلى القاهرة؟
لقد استوقفني رجل مسلح وفتشني، موجهًا بندقيته الأوتوماتيكية نحوي. وأخذ مالي كله، وقال: "إذا لم يكن الأمر يعجبك، يمكننا أن نفتشك أكثر ونرى ماذا تخفي". فأجبته قائلاً: "لا، لا بأس".
بِمَ تشعر؟
لكي أكون صادقًا سأجيب "لا أعرف". تنتابني مشاعر مختلطة. أحب مصر كثيرًا لدرجة أنني كنت آتي إليها سنويًا، ولكن هذه المرة الأمر مختلف، ولا أعرف لماذا.