تغيُّر المناخ والصحة والبيئة: إطار عمل إقليمي جديد للفترة 2023-2029

إن أزمة المناخ أخطر تحدٍّ صحي يواجهه البشرُ في القرن الحادي والعشرين. فمتوسط درجة الحرارة آخذٌ في التزايد بسرعة، وهناك متغيرات مناخية أخرى تزداد سوءًا، وهذه التغيرات تحدث في إقليم شرق المتوسط بوتيرة تبلغ ضعف سرعة حدوثها في أي مكان آخر في العالم.
والآثار الصحية المترتبة على تغير المناخ كبيرة، وتشمل الظواهر الجوية القصوى الأكثر فتكًا، وتزايد حالات الإصابة بالأمراض غير السارية، وزيادة ظهور الأمراض المُعدية وانتشارها. ولهذه الآثار انعكاسٌ قائمٌ بالفعلِ على القوى العاملة الصحية والبنية التحتية في الإقليم، الأمرُ الذي يحد من القدرة على تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
ومن شأن الجهود العميقة والسريعة والمتواصلة للتخفيف من آثار تغير المناخ، وسرعة تنفيذ إجراءات التكيف مع تغير المناخ أن تقلل من الأضرار والخسائر المتوقعة للبشر والنظم الإيكولوجية. وسيؤدي المزيد من تأخر العمل بشأن تغير المناخ إلى زيادة المخاطر وتقويض عقود من المكاسب التي تحققت في مجال الصحة العامة. كما أن التقاعس عن العمل الآن سيتعارض مع التزاماتنا الجماعية بتحقيق أهداف التنمية المستدامة وحق الإنسان في الصحة للجميع.
ومع تقدمنا بخطى سريعة نحو عام 2023، تقترح المنظمةُ إطار عمل إقليمي جديد لبناء نُظُم صحية مستدامة بيئيًّا وقادرة على الصمود؛ وإعطاء الأولوية للصحة في السياسات ذات الصلة بتغير المناخ؛ وإشراك قطاع الصحة بفعالية في دعم ما تتخذه القطاعات الأخرى من إجراءات ذات صلة بالمناخ؛ وتحسين حصول قطاع الصحة على التمويل الخاص بتغير المناخ؛ وبناء قاعدة بيِّنات قوية لرسم السياسات. ويُقترَح إطار العمل للفترة 2023-2029.
وسيتطلب تحقيق هذه الغايات عملًا متعددة القطاعات يُحدِث تحولًا في المجتمع. ويشمل ذلك:
العمل في إطار النظم الصحية الرسمية؛
والتعاون مع القطاعات المحدِّدة للصحة مثل الطاقة والغذاء والزراعة والمياه والنقل والشؤون الاجتماعية والأمن والشؤون المالية؛
العمل مع عامة الجمهور لتقديم مساهمة جوهرية في مكافحة تغيّر المناخ والتكيّف معه وتسريع وتيرة التقدم نحو تحقيق الصحة للجميع.
ويتعين على ثلاثة عشر بلدًا في الإقليم تسريع وتيرة العمل من خلال التحالف من أجل العمل على إحداث التحوّل في المناخ والصحة. وتُحَثُّ بقية بلدان الإقليم وأراضيه على الانضمام إلى هذه المبادرة التي تقودها منظمة الصحة العالمية.
وستجري مناقشة تقرير تقني عن تغير المناخ يعرض إطار العمل المقترح في الدورة السبعين للّجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط. ويهدف التقرير إلى دعم كل بلد وأرض في الإقليم للالتزام بالتحالف وتسريع وتيرة العمل بشأن تغير المناخ.
الأمراض غير السارية في الأماكن المتضررة من النزاعات والبيئات الهشّة

11 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 - الأمراض غير السارية هي الأشدُّ فتكًا بالأرواح في العالم، وهي سبب رئيسي للوفاة في إقليم شرق المتوسط، إذ تقتل ما يزيد عن 2.8 مليون إنسان كل عام.
ويُعدُّ معدل انتشار الأمراض غير السارية في الإقليم مرتفعًا: إذ يُعزى ما يُقدَّر بنحو 66.5% من الوفيات إلى هذه الأمراض. ويتفاقم هذا الوضع المنذر بالخطر في الأماكن التي تشهد حالات الطوارئ. وتُشكِّل الأمراض غير السارية تحديًا جسيمًا أثناء الطوارئ وبعد انتهائها لأن الأمر يتطلب تفاعلًا مستمرًّا مع النظام الصحي ومُقدِّمي الخدمات من أجل توخِّي المستوى الأمثل من التدبير العلاجي والحصائل الصحية.
ويشهد إقليمُ شرق المتوسط مستوى غير مسبوقٍ من حالات الطوارئ الناجمة عن أخطار طبيعية وأخرى من صنع الإنسان، وهو ما يؤثر سلبًا على صحة ملايين الأشخاص. وتؤدي حالات الطوارئ إلى تعطل النُظُم الصحية، الأمر الذي يجعل تقديم خدمات الخدمات الصحية الكافية أمرًا شديد الصعوبة، مما يؤدي إلى زيادة معدلات المراضة والوفيات الناجمة عن الأمراض غير السارية. كما تزيد حالات الطوارئ من خطر حدوث مضاعفات مرتبطة بالأمراض غير السارية: فحالاتُ النوبات القلبية والسكتات الدماغية ونوبات الربو قد تكون أكثر شيوعًا بمقدار مرتين إلى ثلاث مرات مقارنةً بما هي عليه في الأوضاع المستقرة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن معدل الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية أعلى بكثير في حالات الطوارئ (25.1٪) مقارنةً بالسياقات غير الطارئة (17.8٪).
إن ما يقرب من نصف بلدان الإقليم وأراضيه البالغ عددها 22 بلدًا وأرضًا في حالة هشاشة أو متضررة من النزاعات أو مُعرَّضة للخطر. وعلاوة على ذلك، لا يوجد بلد بمنأى عن حالات الطوارئ، ويمكن أن تؤدي أحداث من قبيل الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة والنزوح، بل والتجمعات الحاشدة، إلى تعطيل تقديم الرعاية الخاصة بالأمراض غير السارية. وفي الوقت الحالي، يضم الإقليم العدد الأكبر من الأشخاص المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية على الصعيد العالمي بنسبة 37% من الإجمالي العالمي، كما يستضيف الإقليم أكبر عدد من النازحين من جميع أقاليم المنظمة.
استراتيجية لضمان استمرار خدمات الأمراض غير السارية في أوقات الأزمات
على الرغم من العبء المتزايد للأمراض غير السارية، وزيادة معدلات المراضة والوفيات الناجمة عن حالات الطوارئ والأزمات، فإن الأمراض غير السارية لم تُدمَج بعدُ إدماجًا كاملًا في معظم الخطط الوطنية للتأهب والاستجابة في مجال الصحة. وقد أكدت جائحة كوفيد-19 ضعف استمرارية خدمات الأمراض غير السارية وإمكانية تعرضها للمخاطر أثناء الأزمات. وعطَّلت الجائحة الخدمات الأساسية الخاصة بالأمراض غير السارية على الصعيد العالمي وكذلك في الإقليم، مع تعطُّل بعض البلدان عن تقديم الخدمات لأكثر من 12 شهرًا.
وينطوي ضمان التدبير العلاجي للأمراض غير السارية في حالات الطوارئ على الحفاظ على استمرارية خدمات الأمراض غير السارية وأدويتها، وضمان الرعاية المتخصصة، مثل الغسيل الكٌلوي، ورعاية الحالات المرضية ومنها أمراض السرطان. كما ينطوي على التصدي للمضاعفات الحادة مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية. ويتطلب هذا النهج الشامل استراتيجية عملية المنحى وشاملة تشمل الحد من مخاطر الطوارئ والتأهب والاستجابة لها والتعافي منها. وهذا النهج مدفوع بالتزام مكثف بتقديم خدمات صحية عالية الجودة إلى جميع المصابين بالأمراض غير السارية.
وستُناقش ورقة تقنية عن الأمراض غير السارية في البيئات الهشة والأماكن المتضررة من النزاعات في الدورة السبعين للّجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط. وتعرض الورقة إطار عمل إقليمي مُقترَح مع مجموعة من التدخلات والمؤشرات الاستراتيجية ذات الأولوية التي من شأنها أن تُيسِّر إحراز التقدُّم والعائد على الاستثمار في 5 مجالات:
القيادة والتنسيق والمناصرة؛
تعبئة الموارد وحشد التمويل؛
استمرارية الخدمات الصحية؛
المعلومات، والبيانات، والبحوث، واستخدام التكنولوجيا الرقمية في مجال الصحة؛
المشاركة المجتمعية وبناء الثقة.
الوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة

في الأرض الفلسطينية المحتلة، يرزحُ النظام الصحي في قطاع غزة تحت وطأة حصار دام 16 سنة وأدى إلى نقص شديد في الموارد. ولهذا، فإن تصاعد الأعمال العدائية مع إسرائيل الذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 يزيد الطين بِلة. ويعوق انقطاع التيار الكهربائي ونقص الأدوية والمستلزمات الصحية في مستشفيات قطاع غزة تقديم الرعاية الطبية المُنقذة للحياة. وسَجَّلت المنظمة هجماتٍ على مرافق الرعاية الصحية كانت قد أسفرت عن وقوع وفيات وإصابات في صفوف العاملين الصحيين، وأثّرت على المرافق الصحية وسيارات الإسعاف. ومع تطوّر الوضع، هناك حاجة مُلحة إلى إنشاء ممر إنساني يسمح بإحالة المرضى وإنقاذ حياتهم، وتنقل العاملين في المجال الإنساني، ونقل المستلزمات الصحية الأساسية بدون عوائق.
تعزيز الأمن الصحي: رفع مستوى الاستعداد لمواجهة التجمعات الحاشدة

11 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إن التجمعات الحاشدة، وبرغم كونها مصدرًا للفرحِ والوحدة، يمكن أن تضع ضغوطًا على النُّظُم والموارد الصحية. فعندما يجتمع عشرات الآلاف من الناس في حدث ما، فإن ذلك يمكن أن يشكل بيئة مثالية لانتشار الأمراض، لا سيَّما فاشيات الأمراض.
والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط بصدد تدشين إطار شامل، للتأكيد على أهمية التأهُّب والاستعداد الاستباقيين للتجمعات الحاشدة، وخاصة في الإقليم. وقد أقرَّت اللجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط في دورتها السبعين إطار العمل المتمثل في "تعزيز استعداد الصحة العامة للفعاليات التي تضم تجمعات حاشدة في إقليم شرق المتوسط".
وتتراوح التجمعات الحاشدة في الإقليم بين الحج والعمرة والأربعين والمناسبات الرياضية الكبرى، وغيرها من الفعاليات مثل بطولة كأس العالم فيفا قطر 2022، وإكسبو 2020 دبي، ومؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في دورتيه السابعة والعشرين والثامنة والعشرين (COP27 وCOP28).
وبرغم التحديات والمخاطر التي تنطوي عليها التجمعات الحاشدة، تتيح هذه الفعاليات أيضًا فرصًا لتحقيق فوائد طويلة الأجل. وقد تشمل هذه الفوائد تطوير نُظُم أقوى للصحة العامة وزيادة وعي المقيمين والزوار بالوقاية من الأمراض.
تعزيز استعداد الصحة العامة للفعاليات التي تشهد تجمُّعات حاشدة في إقليم شرق المتوسط
المخاطر المُحدِقة بالصحة العامة في التجمعات الحاشدة
قد تكون التجمعات الحاشدة أحداثًا مخططًا لها جيدًا أو تجمعات عفوية للبشر، وكلتاهما قد يكون لها تأثير كبير على الصحة العامة.
والحج والعمرة من الأحداث المهمة الـمُقرَّرة، وفيهما يحضر إلى المملكة العربية السعودية سنويًّا 10 ملايين شخص من 182 بلدًا. وهذه التجمعات تُظهِر التفاني والوحدة من جهة، ومن جهة أخرى تحمل مخاطر صحية تُعزى إلى الكثير من العوامل. وتشمل هذه العوامل المخالَطة الوثيقة بين الحشود، والخصائص الديموغرافية للقادمين، وهو ما قد يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المُعْدية. وتمثِّل الأمراض المنقولة بالهواء والغذاء والماء خطرًا، شأنها في ذلك شأن العدوى المرتبطة بالصرف الصحي، لا سيَّما أمراض الإسهال. ومثال ذلك أن أمراض الجهاز التنفسي تُمثِّل مشكلة كبيرة في خلال موسم الحج، ويُعزى قاسم كبير من زيارات العيادات الخارجية إليها.
إن الفعاليات الرياضية الكبرى، التي توحِّد الناس من خلال الرياضة، تنطوي على مخاطر صحية هي أيضًا. فعلى سبيل المثال، أُعطيَ خطر فاشيات الأمراض المنقولة بالأغذية أولوية قصوى خلال بطولة كأس العالم فيفا قطر 2022. ولقد اجتذبت تلك الفعاليات 3.4 ملايين زائر حضروا لدعم فِرَقهم، وهذا رقم شديد الضخامة. وعلى المنوال ذاته، وضعت الإمارات استثمارات مكثفة في البنية التحتية والتخطيط الذكي لفعاليات مثل معرض إكسبو 2020 دبي، الذي استقطب أكثر من 24 مليون زائر. وتُظهِر هذه الفعاليات قوة التعاون والتصرف بناءً على أفكار جديدة لحماية صحة جميع المشاركين.
العمل الجماعي من أجل تحسين التأهُّب
إن الإقليم، على تنوُّع ثقافته وفعالياته، لا يواجه مخاطر كثيرة مرتبطة بالصحة فحسب، بل إن نُظُمه الصحية تتفاوت في مستويات قدرتها واستعدادها للاستجابة للتهديدات المحتملة. ويسلط الإطار الشامل لتعزيز الاستعداد للتجمعات الحاشدة الضوء على مدى أهمية الاستعداد، ويقدم أربع نقاط رئيسية بالتفصيل لتحقيق هذا الهدف.
والبلدان والأراضي مدعوة إلى ما يلي:
تعزيز قدراتها في مجال الصحة العامة لتكون أفضل استعدادًا للتجمعات الحاشدة؛
حشْد الدعم السياسي لإنشاء نُظُم تستخدم تقييمات المخاطر لتحديد المجالات التي تحتاج إلى التأهُّب والاستجابة للتجمعات الحاشدة؛
إذكاء الوعي بمخاطر التجمعات الحاشدة، لضمان اتباع نهج يشمل المجتمع بأسره إزاء التأهُّب؛
اتباع النهج الاستراتيجي التدريجي لتنفيذ الإطار.
ويستند هذا الإطار إلى نجاحات حقيقية. وتخطيط المملكة العربية السعودية الدقيق للحج مثال رائع على تعاون المجموعات المتنوعة للحفاظ على سلامة ملايين الناس. وبالمثل، توضح بطولة كأس العالم فيفا قطر 2022، وإكسبو 2020 في دبي، ومؤتمر الأطراف 27 في مصر، كيف يمكن للتخطيط الجيد وتقييمات المخاطر أن تساعد في جعْل الأحداث الواسعة النطاق ممكنة وآمنة، حتى في أثناء جائحة عالمية.
ومع ذلك، لا تزال ثمة تحديات أمامنا. ويمكن أن يساعد تحسين التنسيق وزيادة النظر في المخاطر وتقوية النُّظُم على جعل الأحداث أكثر أمانًا. لذا، لا بد للبلدان والأراضي من وضْع خطط استعداد لعدة أخطار تشمل جميع السيناريوهات الداخلية المحتملة، فضلًا عن آليات وخطط للتعاون عبر الحدود. ولا ريب أن دور المنظمة في تبادل المعلومات وتنسيق الجهود وتعزيز أفضل الممارسات أمر أساسي لضمان نجاح هذه الرحلة نحو تحسين الاستعداد الصحي، وتوفير أمن صحي أفضل.