الكلمة الافتتاحية للمدير الإقليمي في جلسة الإحاطة الإعلامية للمكتب الإقليمي لشرق المتوسط
15 كانون الثاني/ يناير 2024
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحيةً طيبةً من المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، بالقاهرة.
نشهد اليوم مرور مائة يوم كاملة منذ اندلاع الأعمال العدائية في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة.
وفي غضون تلك المدة الوجيزة، فقَدَ أهل غزة -الذين اعتادوا الاستيقاظ كل صباح استعدادًا للذهاب إلى المدرسة أو العمل، ثم العودة لتناول العشاء مع أفراد أسرتهم، والتخطيط لمستقبلهم- فقَدَ هؤلاء أقرب أحبائهم، ومنازلهم وممتلكاتهم، وسُبُل عيشهم، وأبسط حقوقهم الإنسانية.
ونزح نحو 85% من مجمل سكان غزة -أي 1.9 مليون شخص- عن ديارهم، واكتظت بهم مخيمات الإيواء، وباتوا يعانون من تدهور حاد في خدمات الصرف الصحي، ويعيشون بلا طعام أو ماء، بينما تبلغ درجة حرارة الجو من حولهم حد التجمُّد، فضلًا عما يواجهونه من جوع ومرض متزايديْن، وخطر ناجم عن التعرض للإصابة أو الوفاة من جراء القصف.
ويقف النظام الصحي على شفير الهاوية، بينما يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى مواصلة أداء وظائفه وسط تحديات جسيمة وتهديدات بالتعرض للهجمات. ومع وجود 15 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى يؤدي وظائفه -على نحو جزئي- يتلقى العديد من المرضى المصابين العلاج وهم يفترشون الأرض داخل المرافق الصحية المكتظة. وكثير من هؤلاء الذين يمكن إنقاذهم يموتون بسبب نقص الأطباء المتخصصين، وانعدام الوقود والكهرباء، والدواء والغذاء، والماء النظيف.
ونتيجةً للقيود والتأخيرات المفروضة على إيصال الوقود والأدوية والمساعدات الأخرى، ما زالت معاناة الناس في غزة ومخاطر وفاتهم وإصابتهم بالأمراض على نحو لا يتصوره عقل في زيادة مستمرة.
وطوال 100 يوم، دعوْنا إلى زيادة تدفقات المعونة الإنسانية إلى غزة، وتيسير الوصول إليها دون عوائق. ودعوْنا أيضًا الجانبين إلى وقف الأعمال العدائية، التي تتسبب كذلك في تداعيات مُقلِقة في كلٍّ من لبنان واليمن. فحتى 10 كانون الثاني/ يناير، أبلغت وزارة الصحة اللبنانية عن وقوع 138 وفاة و617 إصابة في لبنان نتيجة الصراع المسلح العابر للحدود؛ وأسفر الهجوم الأخير على مرافق الرعاية الصحية في 11 كانون الثاني/ يناير عن مقتل اثنين من المسعفين وتدمير سيارة إسعاف. كما أننا نراقب الوضع عن كثب في البحر الأحمر واليمن.
إن الناس في إقليمنا -وهم من أكثر الناس ضعفًا وتأثرًا في العالم- لا يَقْوون على تحمُّل المزيد من الحرمان من حقوقهم الأساسية في الحياة، ومن الحصول على الرعاية الصحية المُنقذة للحياة. ولا تستطيع النُّظُم الصحية -التي تسعى بكل جد للاضطلاع بدورها وسط تحديات هائلة- أن تخضع لمزيد من الاختبارات.
لذا، فإن المنظمة تعتزم، في وقت لاحق من بعد ظهر هذا اليوم، إطلاق ندائها العالمي بشأن الطوارئ الصحية لعام 2024، الذي يشمل حالات الطوارئ في جميع أقاليم المنظمة.
ونحن نطلق هذا النداء في وقت باتت فيه الصحة في إقليم شرق المتوسط مهدَّدة على نحو لم يسبق له مثيل. ففي النصف الثاني من عام 2023، اجتاحت إقليمَنا ست حالات طوارئ جديدة، منها فاشية كبرى للكوليرا في السودان على خلفية الصراع المتصاعد هناك، والفيضانات في ليبيا، والزلازل الكبرى في المغرب وأفغانستان، والمأساة المستمرة التي تتوالى فصولها في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهي واحدة من أصعب الأزمات الإنسانية والصحية العامة في تاريخ الإقليم الحديث.
وفي الوقت الحالي، يحتاج 140 مليون شخص في إقليم شرق المتوسط إلى مساعدات إنسانية، وهو ما يمثل 20% تقريبًا من سكان الإقليم، وما يقرب من 40% من جميع المحتاجين على مستوى العالم. وفي عام 2024، ستحتاج منظمة الصحة العالمية إلى ما يقرب من 706 ملايين دولار أمريكي للاستجابة لحالات الطوارئ الكبرى في إقليم شرق المتوسط.
ولا يزال النظام الصحي في السودان يكافح وسط صراع طويل الأمد أصبح الآن يشكل أكبر أزمة نزوح في العالم اليوم. ويؤدي تزايد العنف وانتشار الأمراض، مثل الكوليرا، وإعاقة الوصول، وانعدام الأمن، ونهب الإمدادات، إلى تقويض الجهود التي يبذلها الشركاء في المجال الإنساني لإنقاذ الأرواح. ونتيجةً لتفاقم الصراع، لا تستطيع وكالات المعونة الآن الوصول إلا إلى 4 ولايات من بين جميع الولايات البالغ عددها 18 ولاية من داخل السودان. واضطرت الوكالات الإنسانية إلى الانتقال من ولايات الخرطوم ودارفور والجزيرة. ومع ذلك، نواصل تعزيز وجودنا الميداني وتعديل عملياتنا استنادًا إلى التغيرات السريعة التي تطرأ على السياق، والقدرة على تقديم الخدمات الحيوية المنقِذة للحياة إلى الفئات الأكثر ضعفًا.
ولا تزال الأزمة الإنسانية في أفغانستان واحدة من أكبر الأزمات وأكثرها حِدةً في العالم، إذ يعاني الآن 23.3 مليون شخص محتاج من تدهور النظام الصحي، والحرمان من الغذاء، وتفشي الأمراض المتعددة المتزامنة، واستمرار الصراع، وحدوث نوبات الجفاف وغيرها من الكوارث الطبيعية.
وفي الجمهورية العربية السورية، يحتاج أكثر من 15 مليون شخص إلى الخدمات الصحية في ظل نظام صحي يعاني من تكرار الصدمات التي تضمنت تفشِّي الأمراض، وغياب الاستقرار الاقتصادي، ووقوع الزلزال المدمر الذي ضرب كلًّا من الجمهورية العربية السورية وتركيا مطلع العام الماضي.
ولا يزال اليمن يواجه أزمة إنسانية حادة، إذ يحتاج ما يقرب من 18 مليون شخص إلى الحصول على مساعدات صحية. ولا يزال الوضع مزريًا، لا سيما للفئات الضعيفة مثل النازحين داخليًّا، والأطفال، والنساء، والمسنين، وذوي الإعاقة، والمجتمعات المحلية المهمشة. ويواصل اليمن مكافحة فاشيات الأمراض المعدية (ومنها الحصبة وشلل الأطفال وحمى الضنك والسعال الديكي والدفتيريا)، بالرغم من أن نحو نصف جميع المرافق الصحية فقط يعمل بكامل طاقته.
وستركز استجابتنا الإقليمية هذا العام، بالتنسيق مع السلطات الصحية والشركاء وجميع المستويات الثلاثة للمنظمة، على حالات الطوارئ المتعددة البلدان، بما يشمل الجفاف وانعدام الأمن الغذائي في منطقة القرن الأفريقي الكبرى، وفاشيات الكوليرا المنتشرة في 9 بلدان من بلدان الإقليم البالغ عددها 22 بلدًا، وحُمى الضنك. وبالرغم من أن كوفيد-19 لم يعد يمثل طارئة صحية عالمية، فإننا لا نزال ملتزمين بالعمل مع البلدان والمجتمعات المحلية للوقاية من تزايد انتشاره، مع العمل في الوقت نفسه على بناء القدرات للتعامل مع الجوائح في المستقبل.
الزميلات والزملاء الأعزاء،
هذه هي آخر إحاطة إعلامية لي بصفتي المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، إذ أعود إلى رحاب عملي في التدريس والإشراف على طلبة الطب والأطباء المقيمين بجامعة السلطان قابوس في مسقط، إلى جانب الإشراف على المرضى بالمركز الصحي لطب الأسرة التابع للجامعة.
وعلى مدى خمس سنوات في منصبي هذا، رأيت مرارًا وتكرارًا كيف تؤثر حالات الطوارئ على حياة الأبرياء. فلن تبرح مخيلتي أبدًا نظرة الدهشة التي اعتلت وجه طفلة صغيرة فقدت والديها في الزلزال الذي ضرب الجمهورية العربية السورية؛ ولا دموع المرأة المسِنَّة التي فقدت حفيدها وبيتها في انفجار مرفأ بيروت؛ ولا القلق الذي ارتسم على وجه الوالديْن الجالسيْن بجوار طفلهما الواهن الذي يعاني من آثار سوء التغذية في الصومال؛ ولا الصدمة حين سمعنا نبأ وفاة زميلتنا ديما الحاج في غزة، وهي واحدة من بين أكثر من 145 موظفًا من موظفي الأمم المتحدة الذين قُتلوا منذ بداية الأعمال العدائية، وقُتل مع كثيرين منهم أُسرُهم أيضًا.
وبينما أغادر منصب المدير الإقليمي، يعتصر الحزن قلبي على ما آلَ إليه الوضع في إقليمنا. فالمكاسب الهشة التي تحققت تقف الآن في مهب الريح نتيجة خلط الصحة بالسياسة، في وقت تتزايد فيه حدة تأثير تغيُّر المناخ على الصحة العامة.
لكنني في الوقت نفسه رأيت الأثر الذي تتركه منظمة الصحة العالمية وشركاؤها للمساعدة في إنقاذ الأرواح وتعزيز النُّظُم الصحية وإتاحة الرعاية الصحية لجميع من يحتاجون إليها. ورأيت كذلك تضامنًا وجهدًا بذلته دولنا الأعضاء من أجل دعم إخواننا وأخواتنا الضعفاء في البلدان التي تواجه الأزمات.
وبالرغم من كل التحديات، فقد أحدثنا فارقًا في حياة الناس، ولا نزال ملتزمين بذلك، مهما كانت العقبات التي تواجهنا. بل إن الأهم من ذلك هو أنه بالرغم من أن الوضع في غزة قد كشف لنا مؤخرًا هشاشة الاعتقاد الراسخ بقدسية الصحة، فقد أوضح لنا في المقابل عزم العاملين الصحيين والجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني على بذل قصارى جهدهم -حتى لو كان ذلك على حساب سلامتهم وعافيتهم- للوصول إلى الأشخاص المحتاجين وإمدادهم بالرعاية المنقذة للحياة. وإنني على ثقة من أن هذا العزم لن يزداد إلا قوة وبأسًا، وسيضع الصحة العامة فوق كل الاختلافات الدينية، والصراعات السياسية، والمساعي العبثية لاحتكار السلطة والأرض.
وقد أشار الدكتور تيدروس، المدير العام للمنظمة، في معرض حديثه الأسبوع الماضي، إلى أن عام 2024 سيكون اختبارًا للبشرية؛ اختبارًا لما إذا كنا استسلمنا لمساعي الانقسام وإثارة الشكوك وتضييق النزعة القومية، أو ما إذا كنا قادرين على تخطِّي خلافاتنا والسعي إلى تحقيق الصالح العام.
وأحثُّ الجميع -ولا سيما دول الخليج التي تتمتع باستقرار اقتصادي وسياسي- على استخدام مواردها وإعلاء صوتها لدعم شعوبنا التي تعاني من بعض أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم أجمع.
أشكركم جميعًا، وأتمنى أن يحمل لكم عام 2024 في طياته الخير والبركة. لقد شرفت بحمل لواء خدمة هذا الإقليم وشعوبه. وإنني، إذ أغادر منصبي هذا، أضع ثقتي المطلقة في قيادة الزميلة القديرة الدكتورة حنان بلخي، التي ستخلفني مديرًا إقليميًّا الشهر المقبل. وهي تمتلك من الخبرة والتفاني ما يمكِّنها من أداء هذا الدور. وإنني على يقين في قيادتها للإقليم بكل حنكة واقتدار.
وأود أن أقول لفِرَق المنظمة التي تفانت في عملها على جميع المستويات، وشركائنا الصامدين، وقوانا العاملة الصحية الشجاعة في جميع أنحاء الإقليم - إن جهودكم الدؤوبة قد آتت ثمارها، وإنني ممتن لالتزامكم الراسخ بقضية الصحة العامة.
وقبل كل ذلك، فإنني أعرب عن خالص امتناني لشعوب الإقليم. إن قدرتكم على الصمود في وجه التحديات وتصميمكم على بناء مستقبل أفضل لأسركم وبلدانكم هو مبعث إلهام لنا جميعًا. وبينما نمضي قُدُمًا، أود أن أؤكد لكم أن منظمة الصحة العالمية تقف إلى جانبكم، وستواصل دعم مسيرتكم نحو النهوض بالصحة والعافية.
ختامًا، أسأل الله العلي القدير أن يكون عام 2024 عام ازدهار وصحة ورفعة لهذا الإقليم.
شكرًا لكم.
فِرَق المنظمة تُسلِّم إمدادات إلى مستشفيين في شمال وجنوب غزة
نزوح جماعي جديد للفلسطينيين الهاربين من جحيم القتال، مع اكتظاظ المرافق الصحية بالمواطنين الباحثين عن المأوى والغذاء
27 كانون الأول/ديسمبر 2023، غزة. نفذت فرق المنظمة بعثتين شديدتي الخطورة لإيصال إمدادات، بالتعاون مع الشركاء، إلى مستشفيين في شمال وجنوب غزة يشهدان أعمالًا عدائية مكثفة في المناطق المجاورة لهما، مع زيادة أعداد المرضى، وازدحامهما بالنازحين الباحثين عن مأوى.
وقال الدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس، المدير العام للمنظمة: "أكرر اليوم دعوتي المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عاجلة للتخفيف من الخطر الهائل الذي يواجه سكان غزة ويهدد قدرة العاملين في المجال الإنساني على مساعدة المصابين بإصابات فظيعة في ظل جوع حاد ومخاطر شديدة للإصابة بالأمراض".
وفي أحدث بعثة شديدة الخطورة للمنظمة، زارت فرقها يوم الثلاثاء 26 كانون الأول/ ديسمبر مستشفيين - هما مستشفى الشفاء في الشمال والأمل التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني في الجنوب - لإيصال الإمدادات وتقييم الاحتياجات على أرض الواقع.
وكلا المستشفيين يُعدان ملجأً للنازحين الذين يبحثون عن بعض الأمان. وتفيد التقارير أن مستشفى الشفاء يؤوي 50 ألف شخص، ومستشفى الأمل يؤوي 14 ألف شخص.
وفي مستشفى الشفاء، سلمت المنظمة الوقود اللازم لاستمرار تقديم الخدمات الصحية الأساسية، وسلمت أيضًا، بالتعاون مع اليونيسف، إمدادات طبية للمستشفى. ودعمًا لمؤسسة المطبخ المركزي العالمي، وهي مؤسسة غير حكومية من شركاء المنظمة، سلمت مواد لدعم مطبخ في مستشفى الشفاء. كما سُلِّمت إمدادات طبية إلى مستودع الأدوية المركزي في غزة الذي سيصبح مركزًا للإمدادات الطبية يتولى تسليمها إلى مستشفيات أخرى، وستدعمه المنظمة وشركاؤها.
وفي مستشفى الأمل، شاهد الزملاء تداعيات ضربات حديثة عطلت برج اللاسلكي في المستشفى وأثرت في نظام توجيه سيارات الإسعاف المركزي لمنطقة خان يونس بأكملها، الأمر الذي سيتأثر به أكثر من مليون ونصف مليون إنسان. ومن بين 9 سيارات إسعاف كانت بالمستشفى، لم يعد يعمل منها إلا 5 سيارات فقط. وقال موظفو المنظمة إن المشي في المستشفى مستحيل بدون المرور على المرضى والنازحين الذين اتخذوا منها ملجأ. ولا يوجد سوى عدد قليل من المراحيض العاملة المتاحة في المستشفى وبعض المباني المجاورة ومراكز تدريب جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ويشترك في استخدامها النازحون والموظفون ومرضى المستشفى.
وأثناء مرور موظفو المنظمة في غزة، شهدوا عشرات الآلاف من الأشخاص الهاربين بحياتهم من الغارات العنيفة في خان يونس والمنطقة الوسطى، سيرًا على الأقدام أو ممتطين الحمير أو في سيارات. وكان الناس يبنون ملاجئ مؤقتة بطول الطريق.
وقال الدكتور ريك بيبركورن، ممثل المنظمة في مكتبها للضفة الغربية وغزة: "المنظمة في غاية القلق من هذه الموجة الجديدة لنزوح السكان لأنها ستزيد الضغط على المرافق الصحية في الجنوب التي تجاهد الآن لتلبية الاحتياجات الهائلة للسكان. وهذا النزوح الجماعي القسري للسكان سيزيد الاكتظاظ أكثر، ويفاقم خطر الإصابة بالأمراض المعدية وصعوبة توصيل المساعدات الإنسانية".
ووفقًا لأحدث تقييم أجرته المنظمة، يوجد في غزة 13 مستشفى يعمل جزئيًا، ومستشفيان يعملان بالحد الأدنى، و21 مستشفى لا يعملون على الإطلاق.
ومن بين هذه المستشفيات مجمع ناصر الطبي، وهو أهم مستشفى إحالة في جنوب غزة، ولا يعمل إلا جزئيًا. ولكن هناك قلق بالغ من تقارير وردت مؤخرًا عن صدور أوامر بإخلاء المناطق السكنية المحيطة بالمستشفى.
وقال الدكتور بيبركورن: "عندما تشتد الأعمال العسكرية بالقرب من المستشفى، لن تتمكن سيارات الإسعاف ولا المرضى ولا الموظفون ولا المنظمة ولا شركاؤها من الوصول إلى المجمع، وسرعان ما سنجد هذا المستشفى الرئيسي وقد أصبح شبه متوقف عن العمل. وهذا السيناريو شهدناه مرارًا وتكرارًا في الشمال، ولكن غزة لن تحتمل خروج مستشفى آخر عن العمل، في وقت تسعى فيه المنظمة لتعزيز النظام الصحي القائم الذي يصارع للعمل وتوسيع نطاقه".
ويوم الثلاثاء، أفاد موظفو المنظمة بأن الحاجة إلى الغذاء ما تزال ماسة في جميع أنحاء قطاع غزة. ومرة أخرى، أوقف السكان الجياع قوافلنا اليوم على أمل الحصول على الغذاء.
إن الجوع وحالة اليأس التي وصل إليها الناس الموجودون في الطرق التي نسلكها إلى المستشفيات وداخل تلك المستشفيات تزيد القيود على قدرة المنظمة على توريد الأدوية والإمدادات الطبية والوقود لتلك المستشفيات.
ومن جانبه، قال الدكتور تيدروس: "إن سلامة موظفينا واستمرار العمليات يعتمد على وصول المزيد من الطعام إلى غزة كلها، ووصوله فورًا. فزملائي متأثرون تأثرًا مباشرًا وشخصيًا بالنزاع، مثلهم في ذلك مثل كل من في غزة. وما زلت أتلقى أخبارًا مفجعة عن فقدان موظفينا في غزة لأقاربهم.
وعند صدور قرار مجلس الأمن الأخير، بدأ وكأنه بادرة أمل لتحسين توزيع المساعدات الإنسانية داخل غزة. ولكن استنادًا إلى شهود العيان من موظفي المنظمة عن الواقع في غزة، فإن القرار ليس له أي تأثير حتى الآن. إن ما نحتاج إليه الآن وعلى وجه عاجل هو وقف لإطلاق النار لحماية المدنيين من المزيد من العنف والبدء في الطريق الطويل نحو إعادة الإعمار والسلام".
منظمة الصحة العالمية تبني قدرات الاستجابة للطوارئ الصحية
خبير في منظمة الصحة العالمية يشرح أداة لغة البرمجة (R) أثناء التدريب. مصدر الصورة: وحدة معلومات الطوارئ الصحية وتقييم المخاطر بمنظمة الصحة العالمية
25 كانون الأول/ ديسمبر 2023، القاهرة، مصر - يمكن أن تساعد مهارات إدارة البيانات الخبراءَ على التعامل بشكل أفضل مع بيانات الطوارئ الصحية والاستجابة لتحديات الصحة العامة. وتعزيزًا لإدارة البيانات في مجال الاستجابة للطوارئ الصحية، أجرت منظمة الصحة العالمية تدريبًا إقليميًا على تطوير القدرات في مجال تحليل البيانات ونشرها، باستخدام برنامج (R) في عَمَّان، الأردن، في الفترة 3-7 كانون الأول/ ديسمبر 2023.
وحضر التدريب أخصائيو الوبائيات ومسؤولو الترصُّد من شبكة الصحة العامة لشرق المتوسط، ووزارات الصحة من مصر والأردن ولبنان، والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، والمكاتب القُطرية للمنظمة في أفغانستان ومصر والأردن.
ولتلبية حاجة ماسة في مجال تحليل بيانات الصحة العامة، شارك المشاركون في برنامج متعمق لتعزيز قدراتهم على إدارة بيانات الطوارئ الصحية وتحليلها باستخدام برنامج (R). وهذا أمرٌ بالغُ الأهمية للحفاظ على دقة المعلومات وحُسن توقيتها.
وشدّد التدريب على أهمية استخدام برنامج (R)، وهي أداة لغة برمجة متعددة الاستعمالات ومفتوحة المصدر يستخدمها مهنيو الصحة العامة بشكلٍ متزايدٍ في جميع أنحاء العالم. وكان الهدف من التدريب إكساب المشاركين المهارات اللازمة للتعامل مع مجموعات البيانات، وأتمتة التقارير، وإعداد تحليلات موثوقة ذات نواتج عالية الجودة.
المشاركون يستمعون إلى خبير من منظمة الصحة العالمية خلال التدريب. مصدر الصورة: وحدة معلومات الطوارئ الصحية وتقييم المخاطر بمنظمة الصحة العالمية
واكتسب المشاركون فهمًا أساسيًا للغة (R)، وواجهة (RStudio)- وهي واجهة سهلة الاستخدام للغة (R) - وكيفية تطبيق حزم لغة (R) المختلفة. وتَعلَّمَ المشاركون أيضًا اتخاذ خطوات البيانات الأساسية؛ وإجراء التحليلات، بما في ذلك عروض الرسومات البيانية؛ وإعداد التقارير، والتي تُعدُّ بالغة الأهمية للاسترشاد بها في قرارات الصحة العامة واستراتيجياتها.
ولا يقتصر الهدف من هذا التدريب على تعزيز المهارات فحسب، بل يهدف أيضًا إلى تعزيز شبكة إقليمية من المهنيين المهرة في مجال الصحة العامة الذين يمكنهم تبادل معارفهم المكتسبة حديثًا داخل بلدانهم وخارجها. وهذا بدوره يعزز النهج القائم على البيانات إزاء تحديات الصحة العامة.
وستتابع المنظمة إلكترونيًا مع المشاركين التقدم المُحرَز في تطبيق الوحدات التدريبية والرد على أي استفسارات. كما سيوسَّع نطاق التدريب ليشمل مزيدًا من البلدان في إقليم منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط في عام 2024.
وستُجري المنظمة أيضًا تدريبًا آخر على التحليل المتقدم، وذلك لتعزيز الانتقال إلى استخدام برنامج (R) بوصفها أداة قوية لتحليل البيانات.
مزيجٌ قاتلٌ من الجوع والمرض يؤدي إلى مزيد من الوفيات في غزة
سكان نزحوا من منازلهم ينتظرون الطعام في مخيم الشابورة بوسط رفح في غزة يومي 17 و18 كانون الأول/ ديسمبر 2023. مصدر الصورة: منظمة الصحة العالمية
21 كانون الأول/ ديسمبر 2023 - الجوع يجتاحُ غزة، ومن المتوقع أن يزيد ذلك من انتشار المرض في جميع أنحاء القطاع بشكلٍ أكثر حدة بين الأطفال والحوامل والمرضعات وكبار السن.
وفي تقديرات جديدة صدرت اليوم، قالت الشراكة العالمية للنظام المتكامل لتصنيف مراحل الأمن الغذائي، والتي تضم منظمة الصحة العالمية، إن غزة تواجه "مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي"، مع خطر حدوث مجاعة "تتزايد كل يوم".
وتواجه نسبة غير مسبوقة بلغت 93% من سكان غزة مستويات من أزمة الجوع، مع عدم كفاية الغذاء وارتفاع مستويات سوء التغذية. كما تواجه أسرة واحدة على الأقل من كل 4 أسر "ظروفًا كارثية" إذ تعاني من نقص شديد في الغذاء والجوع الشديد فتلجأ إلى بيع ممتلكاتها وغير ذلك من التدابير القصوى لتحمل تكلفة وجبة بسيطة. فالجوع والعَوَز والموت أمورٌ أصبحت لا تخفى على أحد.
وفي البعثات التي أُوفدت مؤخرًا إلى شمال غزة، يقول موظفو منظمة الصحة العالمية إن كل شخص تحدثوا إليه في غزة يعاني من الجوع. وأينما ذهبوا، بما في ذلك المستشفيات وعنابر الطوارئ، كان الناس يطلبون منهم الغذاء. وقال موظفو المنظمة: "نحن نتحرك في جميع أنحاء غزة لإيصال الإمدادات الطبية، ويهرع الناس إلى شاحناتنا على أمل أن تكون مُحمَّلة بالطعام"، واصفين ذلك بأنه "مؤشر على اليأس".
الأمراض المُعْدية آخذةٌ في الانتشار
تشهد غزة بالفعل معدلات مرتفعة من الأمراض المُعدية. فمنذ منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، أُبلغ عن أكثر من 100 000 حالة إسهال. ونصف هذه الحالات من الأطفال الصغار الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، ويساوي هذا العدد من الحالات عدد الحالات المُبلغ عنها قبل اندلاع النزاع 25 مرة.
كما أُبلغ عن أكثر من 000 150 حالة إصابة بعدوى الجهاز التنفسي العلوي، والعديد من حالات التهاب السحايا والطفح الجلدي والجرب والقمل وجدري الماء. ويُشتبه أيضًا في انتشار الإصابة بالتهاب الكبد لأن العديد من الأشخاص يعانون من علامات اليرقان.
وفي حين أن الجسم السليم يمكنه أن يكافح هذه الأمراض بسهولة أكبر، فإن الجسم الذي يعاني من الهزال والضعف يواجه صعوبة في ذلك. فالجوع يُضعف دفاعات الجسم ويفتح الباب أمام الأمراض.
ويزيد سوء التغذية من خطر وفاة الأطفال بسبب أمراض مثل الإسهال والالتهاب الرئوي والحصبة، لا سيّما في الأماكن التي يفتقرون فيها إلى الخدمات الصحية المنقذة للحياة.
وحتى لو نجا الطفل، فيمكن أن يؤثر الهزال على حياته لأنه يوقف النمو ويعيق النماء الإدراكي.
كما أن الأمهات المرضعات معرضات بشدة لخطر سوء التغذية. وبدءًا من عمر 0-6 أشهر، يكون حليب الأم أفضل غذاء يمكن أن يحصل عليه الطفل، علاوة على كونه أكثر الأغذية أمانًا. وهذا يحمي الطفل من نقص التغذية والإصابة بالأمراض الفتاكة مثل الإسهال، خصوصًا عندما يكون الحصول على مياه الشرب المأمونة محدودًا للغاية.
ويمكن أن تؤثر مشكلات الصحة النفسية الآخذة في الارتفاع بين السكان في غزة، ومنهم النساء، تأثيرًا إضافيًا على معدلات الرضاعة الطبيعية.
الافتقار إلى الصرف الصحي والنظافة الصحية، وانهيار النظام الصحي، يضيف إلى المزيج السام
نزح أكثر من 1.9 مليون شخص من منازلهم، منهم أكثر من 1.4 مليون شخص يقيمون في ملاجئ مكتظة. وهذه الظروف مهيأة لحدوث ارتفاع مستمر في معدلات الإصابة بالأمراض المُعدية. وفي غزة اليوم، يوجد في المتوسط حَمَّام واحد لكل 4500 شخص ومرحاض واحد لكل 220 شخص. ولا تزال المياه النظيفة شحيحة، كما أن مستويات التغوّط في الأماكن المفتوحة آخذة في الارتفاع. وهذه الظروف تجعل انتشار الأمراض المُعدية أمرًا لا مفر منه.
ومما يبعث على الأسى انخفاض معدّلات الحصول على الخدمات الصحية في جميع أنحاء غزة مع استمرار الحرب في إضعاف النظام الصحي. وحيث يوشك النظام الصحي على الانهيار، لم يعد أمام الذين يواجهون مزيجًا فتاكًا من الجوع والمرض سوى خيارات قليلة.
فأهل غزة، الذين عانوا بما فيه الكفاية، يواجهون الآن الموت من الجوع والأمراض التي يمكن علاجها بسهولة بوجود نظامٍ صحي يعمل بكفاءة. ولا بد لهذا الأمر أن يتوقف. كما يجب أن تتدفق الأغذية والمساعدات الأخرى بكميات أكبر بكثير. وتكرر المنظمة دعوتها إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية.