منظمة الصحة العالمية تُثني على العراق لكونه أول بلد في العالم يستكمل المرحلة الانتقالية الخاصة بشلل الأطفال

1 نيسان/ أبريل 2024 - في كانون الثاني/ يناير 2024، نجح العراق في استكمال عملية الانتقال في مجال شلل الأطفال. وهو أول بلد يحقق هذا الإنجاز الرائع من البلدان ذات الأولوية فيما يتعلق بالانتقال في مجال شلل الأطفال.
ومن المعلوم أن المرحلة الانتقالية الخاصة بشلل الأطفال تنطوي على تطويع الأصول الخاصة ببرنامج شلل الأطفال –مثل المعارف والشبكات والبنية الأساسية– لتعزيز وظائف الصحة العامة الأوسع نطاقًا في بلد ما ضمن السياق العام لتعزيز النظام الصحي الوطني. وتشمل هذه الوظائف الأوسع نطاقًا التمنيعَ، وترصُّدَ الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، والتأهُّبَ للطوارئ والاستجابةَ لها.
وحتى يتسنى الحفاظ على الوظائف الأساسية لبرنامج شلل الأطفال عبر توفير موارد مستدامة، لا بد من تحقيق التحوُّل الكامل من التمويل الخارجي إلى التمويل المحلي. وفي المقابل، فإن نجاح عملية الانتقال في مجال شلل الأطفال وإدماج الأصول الخاصة بشلل الأطفال وصونها لتعزيز التمنيع الروتيني وترصّد الأمراض والاستجابة للفاشيات من شأنه أن يعود بفوائد اجتماعية واقتصادية ويتيح عائدًا استثماريًّا مرتفعًا للغاية.
وفي هذا السياق، أشادت الدكتورة حنان حسن بلخي، مديرة منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، بالإنجاز الذي حققه العراق في مجال الصحة العامة وبالأثر الإيجابي الذي سيترتب عليه، قائلة: «أودُّ أن أُعرب عن خالص تهنئتي للعراق على تحقيق الانتقال الكامل في مجال شلل الأطفال في فترة زمنية وجيزة للغاية. وتلك خطوة كبيرة نحو تعزيز قدرة النظام الصحي على الصمود واستعادة قدراته لخدمة سكان العراق على نحو أفضل، والاستفادة على أفضل وجه ممكن من أصول برنامج شلل الأطفال».
وسيضمن نجاحُ العراق في المرحلة الانتقالية الخاصة بشلل الأطفال وإدماجُ أصول برنامج شلل الأطفال في النظام الصحي الوطني التمويلَ المستدامَ للوظائف الأساسية في مجال شلل الأطفال من خلال إتاحة التمويل المحلي للحفاظ على خلو البلد من شلل الأطفال.
وأبرزت الدكتورة رنا الحجة، مديرة إدارة البرامج بالمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، التي تقود أيضًا أنشطة المرحلة الانتقالية الخاصة بشلل الأطفال – أبرزت تأثيرَ الانتقال الكامل في مجال شلل الأطفال في العراق على تحقيق الغايات العالمية المتصلة بشلل الأطفال، قائلة: «إن هذا النجاح يثبت أيضًا أنه يمكن الانتقال في مجال شلل الأطفال في بقية البلدان الستة ذات الأولوية في الإقليم، ومن ثم يسهم في الحفاظ على وضع الخلو من شلل الأطفال في البلد وفي العالم بعد استئصال فيروس شلل الأطفال».
الشروع في عملية الانتقال في مجال شلل الأطفال
بدأ العراق عملية الانتقال في مجال شلل الأطفال في عام 2019، بجهود مشتركة بين وزارة الصحة العراقية ومنظمة الصحة العالمية. ومنذ ذلك الحين، يعمل العراق على إدماج الوظائف الأساسية لبرنامج شلل الأطفال في نظامه الصحي. ولضمان الانتقال السلس، جرى تدريب 40 عاملًا صحيًّا على المستوى المركزي و360 عاملًا آخرَ على المستوى دون الوطني لدعم تلك الوظائف والأولويات الصحية الأوسع نطاقًا.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور جورج كي-زربو، ممثل منظمة الصحة العالمية ورئيس بعثتها في العراق: «إن اليوم يمثل معلمًا هامًّا في تاريخ العراق لكونه أول بلد من البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية في مجال شلل الأطفال يستكمل هذه العملية بصورة تامة. وقد نجح العراق، منذ عام 2019، في إدماج الوظائف الرئيسية لبرنامج شلل الأطفال في نظامه الصحي، وذلك بفضل التعاون الوثيق بين وزارة الصحة والمكتب القُطري للمنظمة في العراق، بدعم من المكتب الإقليمي للمنظمة والمبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال. ويؤكد هذا الإنجاز تفاني العراق في إقامة نُظُم صحية مستدامة، ويسلط الضوء على كيفية الاستفادة من تطويع الأصول الخاصة ببرنامج شلل الأطفال في تعزيز وظائف الصحة العامة الأوسع نطاقًا».
ومن جانبها، ستواصل المنظمة تقديم الدعم التقني للعراق ورصد جودة الوظائف الأساسية لبرنامج شلل الأطفال، التي تكتسي أهمية حاسمة للحفاظ على العراق خاليًا من هذا المرض.
عدد غير مسبوق من السوريين المحتاجين للمساعدات بعد 13 عاماً من الحرب
16 مارس/آذار 2024، القاهرة، مصر - خلفت ثلاثة عشر عاماً من الصراع 16.7 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية و15 مليون شخص - 65% من السكان - بحاجة إلى المساعدة الصحية في سوريا. وهذا هو أكبر عدد من الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية منذ بدء الصراع في عام 2011.
وقالت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط: "يوجد حالياً عدد من السوريين الذين يحتاجون إلى المساعدة أكبر من أي وقت مضى منذ بدء الحرب". "لقد ولد جيل كامل في ظل الحرب، لا يعرف سوى انعدام الأمن والحرمان، ويواجه الصدمة تلو الصدمة المتكررة. نحن بحاجة إلى بذل كل الجهود لحماية وتعزيز النظام الصحي في سوريا حتى يتمكن جميع الناس في جميع أنحاء البلاد من الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية بأسعار معقولة ويمكن الوصول إليها.
بيان المديرة الإقليمية بشأن زيارة العريش ورفح
22 آذار/ مارس 2024 - في إطار حرص منظمة الصحة العالمية، ممثلةً في مكتبها الإقليمي لشرق المتوسط، على أداء دورها في الإقليم، زرتُ محافظة العريش في مصر، وذهبتُ إلى معبر رفح الحدودي، إذ التقيتُ نائب محافظ شمال سيناء، اللواء الغندور، وكبار المسؤولين من جمعيتَي الهلال الأحمر المصري والهلال الأحمر الفلسطيني، وغيرهم من الشركاء في المجال الصحي الذين يعملون في الاستجابة الصحية لأزمة غزة.
ومصر، كما هي عادتها دائمًا، تؤدي دورًا رئيسيًّا -منذ تصاعد الأعمال العدائية على الأرض الفلسطينية المحتلة- في تذليل الصعوبات وإزالة العقبات أمام إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة عن طريق معبر رفح، إضافة إلى ما توفره من رعاية صحية وعلاج -بالمجان- لجميع المرضى الذين أُجْلُوا من القطاع.
ومما شاهدته هناك هو تلك الأعداد الكبيرة من الشاحنات المحمَّلة بالمساعدات الإنسانية، والتي لم تدخل بعد إلى غزة. وقد أفادني بعض الزملاء من جمعية الهلال الأحمر المصري أن لديهم 1500 شاحنة جاهزة للعبور، ناهيك عن 1000 شاحنة أخرى جاهزة للتفتيش منذ أيام عدة، ولكن إجراءات التفتيش الطويلة والمعقدة وتلك المعايير المتغيرة للقبول أو الرفض، التي وضعتها السلطات الإسرائيلية، كثيرًا ما تعطِّل تدفق هذه المساعدات إلى غزة.
وفي زيارتي تلك، زرت مستودع الهلال الأحمر المصري، الذي أُنشئَ ليستقبل المساعدات الإنسانية من 43 بلدًا في إطار استجابتهم لأزمة غزة. وهذه التبرعات جاءت لتخفف من معاناة سكان غزة، ففيها مواد أساسية لحياة الناس، مثل أجهزة تنقية المياه والمطهرات، ومعدات طبية متطورة، مثل حاضنات الحديثي الولادة، وغيرها من المساعدة المهمة. ومع ذلك، رُفضت كميات كبيرة من تلك التبرعات، لسبب أو لآخر، على الرغم من احتياج الناس الشديد لها.
وقد حرصت الحكومة المصرية على استقبال المرضى القادمين من غزة لأسباب طبية، ومساعدة النازحين كذلك، فزادت الطاقة الاستيعابية لحوالي 83 مستشفى في 17 محافظة في جميع أنحاء الجمهورية، ومنها محافظة شمال سيناء.
وعندما ذهبت إلى مستشفى العريش العام، الذي استقبل 85 مريضًا من غزة، رأيت هناك رجالًا ونساء وأطفالًا يعانون من إصابات شديدة جراء الحرب، مثل الحروق والكسور والرضوض في أماكن مختلفة من الجسم. والتقيت شابة عمرها 18 سنة، ظلت تنتظر العلاج من كسر في ساقها ثلاثة أشهر كاملة، وأمًّا صغيرة السن معها توءمان ولدا في غزة في أثناء الحرب، أحدهما ينتظر الآن أن تجرى له في مصر جراحة عاجلة في القلب. وقابلت أيضًا سيدة وابنتها، وكلتاهما تعاني من إصابات شديدة، وقد أخبرتني الأم أنها فقدت زوجها وشقيقها في الحرب، وهي الآن ترجو الشفاء لابنها الصغير الموجود حاليًّا في العناية المركزة، إذ إنه يعاني من إصابات في الجمجمة.
وقابلت مسنِّين لديهم أمراض مزمنة، وقد عجزوا قبل خروجهم من غزة عن الحصول على أدويتهم عدة أسابيع، وهم الآن يعانون من آثار ذلك، مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. ووجدت هناك أيضًا خمسة مرضى مصابين بأنواع مختلفة من مرض السرطان، وقد حُرموا ما يلزم من الرعاية والمتابعة لأسابيع في أثناء انتظارهم على الحدود للعبور إلى مصر
وفي أثناء زيارتي، أخبرني العاملون الصحيون من مصر، الذين يتولون رعاية المرضى، أن حوالي 65% من الحالات كانت من النساء والأطفال، وأن معظم الحالات هي نتاج إصابات الحرب، ورغم ذلك، فأعداد المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة، ويحالون إلى المرافق الصحية في مصر، تزيد يومًا بعد يوم.
وهذا دليل على أن سكان غزة، من المقيمين فيها والنازحين منها، بحاجة ماسة إلى العلاجات بجميع أنواعها سواء للأمراض الورمية أو غيرها من الأمراض المزمنة.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما فتئت منظمة الصحة العالمية تساعد مصر في تعزيز نظامها الصحي لاستيعاب المرضى الوافدين من غزة، مع عدم المساس بفرص المصريين في حصولهم على الرعاية الصحية اللازمة. ولذا، وفرت المنظمة أدوية ومستلزمات طبية تزيد قيمتها على مليون دولار أمريكي، وذلك لزيادة الطاقة الاستيعابية لمستشفيات الإحالة في خمس محافظات، هي شمال سيناء والإسماعيلية وبورسعيد والسويس والقاهرة. ومن هذه الإمدادات لوازم علاج الإصابات المختلفة، وإمدادات الدم، وعقاقير التخدير والمعدات الطبية، ولوازم التعقيم الصحي.
ولم تكتفِ المنظمة بما سبق، بل إنها دربت ما يقرب من 300 عامل صحي مصري في تخصصات مختلفة، مثل إدارة حالات الطوارئ والمعايير الوطنية لنقل الدم. وشارك الهلال الأحمر المصري كذلك في تدريب 200 متطوع صحي إضافي، وذلك لزيادة نطاق الاستفادة من الخدمات الصحية المجتمعية للذين جرى إجلاؤهم مع أُسرهم. وتعمل المنظمة مع وزارة الصحة المصرية، والهلال الأحمر المصري، وباقي الشركاء، على توسيع نطاق خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي لهؤلاء الأشخاص، الذين يعانون أيضًا من آثار نفسية سببتها لهم تلك الحرب.
وهذا الدعم الذي تقدمه مصر والشركاء في مجال الصحة يعبر عن مدى التضامن والتعاون الذي فرضه الواقع الحالي أكثر من أي وقت مضى. وستظل منظمة الصحة العالمية ملتزمة -على جميع المستويات- بأن تقدم لمصر الدعم اللازم في إطار جهودها للعناية بالنازحين، مع مراعاة أن في غزة آلافًا من مرضى الحالات الحرجة يحتاجون حاليًّا إلى إجلاء فوري وتأمين دخول مصر بأمان، أو إلى أي دولة أخرى لديها القدرة على المساعدة والعلاج.
وختامًا يؤسفني أن أقول إن انتشار الجوع الشديد والمرض في جميع أنحاء غزة قد وصل إلى مستويات كارثية، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أكرر ما نادت به منظمة الصحة العالمية من قبل، من دعوة لضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وداخله، بلا تأخير أو عوائق. وأؤكد مرة أخرى أن الحل الوحيد الذي يمكنه إنهاء معاناة سكان غزة، اليومَ وعلى الأمد الطويل، هو وقف إطلاق النار وتحقيق سلام دائم وشامل.
بيان المديرة الإقليمية بشأن السودان

15 آذار/ مارس 2024 - تشرفت خلال هذا الأسبوع بزيارة السودان، ذلك البلد الذي يواجه حالة طوارئ قصوى، كأول بلد أزوره بصفتي مديرة إقليمية لشرق المتوسط، وذلك بعد خمسة أسابيع فقط من تسلُّمي مهام منصبي. عدتُ منه، وقد هالني ما رأيتُه بنفسي من تهالُكٍ في البنية التحتية للنظام الصحي، هو نتاجٌ لعقودٍ متتالية من التحديات السياسية والاجتماعية، وقرابة سنةٍ من حرب دامية. ويكفي أن أنقل لكم ما قالته لي سيدة سودانية: "لقد فَقَدنا في سنة الحرب هذه أشياء كثيرة، معنويًّا وماديًّا، لن نتمكن من إعادتها مرة أخرى!".
عدتُ من السودان، وقد اطلعتُ على كَمِّ التحديات الجسيمة التي تواجه أعمالنا الإنسانية هناك، والتي على رأسها إيصال المساعدات الطبية التي من شأنها رفع الضرر عن الأبرياء، وزيادة وصولهم للخدمات الصحية في جميع أنحاء البلاد، بحول الله.
ولمن لا يعلم حجم المأساة، فإن السودان يعاني حاليًّا واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، فقد أُجبرَ ما يقرب من 8.5 ملايين شخص على ترك منازلهم والفرار من جحيم الحرب الدائرة، بينهم ما يقرب من مليونَي شخص لجؤوا إلى البلدان المجاورة. خرج هؤلاء من ديارهم وقد أثقَلَهم المرض واليأس والضَّعْف.
ومما يخفف من وطأة المعاناة أن معظم هؤلاء النازحين يعيشون مع مَن استضافوهم أفرادًا من المجتمع لا ينفصلون عنه، وهذا ليس بغريب على شعب السودان، الذي يشتهر بالكرم والتكافُل.
ولكن هذا الوضع الجديد قد أدى إلى زيادة الحاجة إلى جميع موارد الحياة من مياه وغذاء وخدمات الصرف الصحي، وكذلك خدمات الرعاية الصحية وغيرها. ومما زاد الأمر سوءًا تلك الهجمات المسلحة التي استهدفت مرافق الرعاية الصحية، فتوقفت أكثر من 25% من المستشفيات عن العمل، بل إن هنالك تقارير تفيد بأن بعض المقاتلين قد اتخذوا المخبر الوطني الرئيسي مقرًّا لهم.
ففي بورتسودان، على سبيل المثال، نجد أن المرافق الصحية تستقبل حاليًّا أضعاف ما كانت تستقبله قبل 12 شهرًا. ولذلك، فإن السعي إلى تعزيز قدرة ومرونة النظام الصحي في السودان يجب أن يشمل كذلك تعزيز قدرته على استيعاب تلك الأعداد المتدفقة من الولايات المجاورة، دون أن يؤثر ذلك سلبًا على المجتمعات المستضيفة.
وفي إطار زيارتي الميدانية لمستشفى في منطقة ريفية، التقيتُ عاملين صحيين، يتمتعون بهمَّة عالية، والتزامٍ مثالي بإنقاذ أرواح الناس، رغم ما يعانونه من ندرة الموارد. ومع ذلك، وجدت لديهم الحرص الشديد في ذلك المستشفى، وغيره من المستشفيات، على ضمان أن تكون الخدمات الصحية متاحة للجميع، وتحقيق الحد الأدنى -على أقل تقدير- من جودة الرعاية الصحية، الذي يضمن اتخاذ تدابير مناسبة للوقاية من العدوى ومكافحتها، لحماية المرضى والعاملين الصحيين أنفسهم من التعرض للخطر.
ولطالما كان السودان منبعًا لكوادر صحية خدمت النُّظم الصحية في كثير من دول المنطقة، وذلك بما لديهم من عاملين صحيين رفيعي المستوى، بل كان كثير ممن تلقيت العلم على أيديهم أثناء دراستي من السودان. ولكن الآن، وأكثر من أي وقت سبق، علينا أن نحمي هؤلاء العاملين الصحيين، وعلينا أن نعمل معًا لإكمال النقص في التخصصات الرئيسية هناك، ليتمتع شعب السودان بخدمات صحية متكاملة.
أما الأمن الغذائي، الذي تضرر كثيرًا جرَّاء الحرب وحالة الجفاف التي أصابت البلاد، فقد أدى إلى ضغط شديد على مراكز إسعاف حالات سوء التغذية. وفي أحد المراكز التي زرتُها في بورتسودان، المدعومة من طرف منظمة الصحة العالمية، والذي يحوي 16 سريرًا فقط، يجري علاج ثلاثة أو أربعة أطفال في سرير واحد .
ولهذا، كان للدعم الذي قدمته منظمة الصحة العالمية إلى 42 مركزًا من مراكز الإسعاف في شتى أنحاء السودان عظيم الأثر في عام 2023، فقد شُفي -بحَوْل الله- 90% من جميع الأطفال الذين استقبلتهم المراكز، علمًا بأن نسبة متوسط الشفاء هي 75%.
ولا ننسى أن السودان، قبل اشتعال فتيل الحرب قبل قرابة العام، كان يواجه ست فاشيات مَرَضية متزامنة، منها فاشية الكوليرا، التي انتشرت في 12 ولاية، حسب ما أعلنه السودان في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي.
ولكن، ولله الحمد، استطعنا بجهود متضافرة مع الوزارة، خلال الأشهر الماضية فقط، من خفض حالات الكوليرا والملاريا وحُمى الضنك، وليس حالات الكوليرا فقط. والآن، يعمل أكثر من 500 موظف، ممن دربتهم منظمة الصحة العالمية في شتى أنحاء البلاد، على الاكتشاف المبكر لهذه الأمراض وغيرها.
وفي بورتسودان أيضًا، التي عانت من فاشية الكوليرا في نهاية عام 2023، زرتُ مركزًا لعلاج الكوليرا تدعمه منظمة الصحة العالمية، وسعدت أيما سعادة عندما رأيت المركز خاليًا من المرضى، وما فتئت أعداد الحالات التي يُبلغ عنها تواصل الانخفاض في جميع أنحاء المنطقة، وذلك بفضل الجهود الكثيفة التي تبذلها وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية وشركاؤهم، ومن تلك الجهود حملة التطعيم المشتركة التي نجحت في الوصول إلى 4.5 ملايين شخص في جميع أنحاء البلد.
ورغم تلك الجهود، فإنَّ تصاعُد أعمال العنف منذ شهر نيسان/ أبريل الماضي يعوق كثيرًا محاولاتِ منظمة الصحة العالمية والشركاء في العمل الإنساني للوصول إلى الملايين في أنحاء السودان.
ونحن قَلِقون بشكل خاص إزاء الوضع في ولايات إقليم دارفور، إذ تعذَّر وصول المساعدات الإنسانية بشكل مباشر لعدة أشهر، ولا يصل إلى الناس في هذه المناطق سوى مساعدات محدودة، وتزامَنَ ذلك مع تعرُّض المرافق الصحية للنهب والإتلاف والتدمير. وفي غرب دارفور، توقف النظام الصحي المحلي عن العمل بشكل كبير جدًّا.
هذا الوضع يُعد اختبارًا حقيقيًّا لقدرات المجتمع الإنساني ككل، ولذا، نعمل جاهدين مع السلطات الصحية السودانية والشركاء لدراسة كل الخيارات المتاحة للوصول إلى جميع المحتاجين، خاصة أولئك الذين يعيشون في مناطق يستعصي، أو يصعب، الوصول إليها.
وفي أثناء زيارتي تلك، كنتُ في استقبال الطائرة الثانية التي وصلت إلى بورتسودان، والتي حملت إمدادات منظمة الصحة العالمية، وكلتا الطائرتين حملت ما يكفي من الأدوية والإمدادات لحوالي 750 ألف شخص في الأشهر الثلاثة المقبلة.
وللمنظمة حاليًّا مكاتب فرعية في ثماني ولايات في السودان. وقد أثبتنا أنه بإمكاننا تحقيق نتائج ملموسة في تحسين الصحة، عندما نجد حلولًا لعوائق الوصول إلى المحتاجين، وهذا ما نصبو إليه في جميع الولايات الثماني عشرة.
ولذلك، حرصت، أثناء اجتماعاتي مع نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة، على التأكيد على وصول المساعدات لكل المحتاجين في ربوع السودان، وتلقيت تجاوبًا فعالًا مفاده أن الوزارة والسلطات المعنية لن يدَّخروا جهدًا في توسيع نطاق الاستجابة الصحية للمنظمة والشركاء للوصول إلى جميع أرجاء السودان.
والتقيتُ أيضًا منسقةَ الشؤون الإنسانية في السودان، وأكدنا على أولوية التعاون المشترك لجميع الشركاء بصورة أكبر لمعالجة القضايا المتعلقة لا بالصحة فقط، بل بالشؤون الإنسانية عامةً، ومنها تحقيق الأمن الغذائي، والمياه النظيفة والصرف الصحي، وحماية الناس أيضًا، إذ ترتبط وتؤثر جميعها في تحسين مخرجات صحة الإنسان. وإضافة إلى كل ما سبق، فلن ننجح دون دعم مكثف من المجتمع الدولي لتوفير الموارد.
ولا أبالغ حينما أقول إننا لن نستطيع بلوغ هدفنا الجماعي المتمثل في تحقيق التغطية الصحية الشاملة، إذا ما تُرك أشخاص، كما في السودان، خلف الرَّكْب، دون الحصول ولو على أقل مستوى من الخدمات الأساسية.
صحة الناس وعافيتهم تتعرضان لأشد الخطر أثناء الحروب، ولا يمكن معالجة الأزمة الصحية دون معالجة أسبابها، وليس لها حل إلا بالسلام، الذي سيكون، في نهاية المطاف، هو أمل السودان في مستقبل أفضل، وفي استعادة صحة سكانه وعافيتهم.