29 نيسان/ أبريل 2025
أصحاب المعالي والسعادة،
السيد بلال أحمد، الممثل الدائم لجمهورية باكستان الإسلامية،
السيد شو تشين، الممثل الدائم لجمهورية الصين الشعبية،
السادة ممثلو أعضاء البعثات الدائمة لدى الأمم المتحدة،
الزميلات والزملاء الأعزاء من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني،
اسمحوا لي بدايةً أن أثني على هذا الحوار الذي كان ثريًا وملهمًا، وهو نقاش طال انتظاره.
في البداية أقدم لكم محمود عجور الذي يبلغ من العمر تسعة أعوام، أصيب في هجوم على مدينة غزة في آذار/ مارس 2024، ففقد إحدى ذراعيه وشوهت الأخرى نتيجة الانفجار.
ثم أرسل إلى قطر لتلقي العلاج الطبي وإعادة التأهيل، وهو الآن يتعلم كيف يلعب على هاتفه بقدميه، وكيف يكتب بهما، ويفتح الأبواب. وهو يحتاج إلى دعم الآخرين لممارسة معظم أنشطته اليومية، مثل تناول الطعام وارتداء الملابس.
ربما لم يكن مقدرًا لنا أن نتعرف على محمود. فهو كسائر أصدقائه، من الطبيعي أن يقضي أيامه في المدرسة، ويلعب معهم الكرة، ويتفاوض مع والديه على وقت النوم، وأن يعيش حياته العادية المفعمة بالمرح، وهكذا تسير حياته دون أن نعرفه. ولكن العالم كله الآن يعرف محمود، لا لشيء ارتكبه هو، بل لما فعله العالم به، وهو ليس حالةً فريدةً، بل في إقليمنا الكثير والكثير مثل محمود.
وكلما زادت النزاعات، والمخاطر الطبيعية، وفاشيات الأمراض، زاد عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى التكنولوجيات المساعدة وإعادة التأهيل في إطار الاستجابات للطوارئ زيادةً كبيرةً.
ويمثل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنةً 40% من ضحايا الرضوح التي تقع في صفوف المدنيين، وغالبًا ما يموتون مبكرًا، أو يعانون من إعاقة طويلة الأجل. ويرتبط العديد من تلك الحالات برضوح ناجمة عن الحرب، مثل: بتر الأطراف، وإصابات النخاع الشوكي، وإصابات الدماغ، وفقدان البصر أو السمع بسبب الانفجارات.
والأطفال لا يحملون هذا العبء وحدهم، ففي إقليم منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط حاليًا أكثر من 100 مليون شخص يحتاجون إلى التكنولوجيات الـمساعدة، مثل المعينات السمعية، أو أجهزة التنقل، أو أدوات الاتصال، أو المقاويم. ورغم ذلك، فإن واحدًا فقط من كل عشرة أشخاص يستطيع الوصول إلى تلك التكنولوجيات.
وفي جميع أنحاء الإقليم ما يقرب من 180 مليون شخص متعايشين بحالات صحية تؤهلهم للاستفادة من خدمات إعادة التأهيل. ويحتاج أكثر من نصف الأشخاص في سن الستين فأكثر إلى التكنولوجيات الـمساعدة.
ومن بين اللاجئين في الأردن ولبنان، يعيش واحد من كل أربعة بشكل من أشكال الضعف، أو بإصابة، أو بحالة صحية مزمنة، ويواجه عقبات إضافيةً تحول دون حصوله على الدعم الذي يحتاج إليه.
ولا تزال خدمات إعادة التأهيل في جميع أنحاء الإقليم تعاني من التجزؤ والتفتت. والقدرة المهنية في هذا المجال محدودة أيضًا. ولا يمكن الاعتماد على سلاسل الإمداد للحصول على منتجات مساعدة عالية الجودة. ومما يؤلم الإنسان حقًا أن الطوارئ تكون أشد قسوةً عندما تواجه نظمًا صحيةً أكثر وهنًا وضعفًا.
ولا تعد خدمات إعادة التأهيل والتكنولوجيات المساعدة من باب «الكماليات»، بل تمثل ركنًا أصيلًا في بنيان الرعاية الصحية، ودعامةً لا غنى عنها في هيكل التغطية الصحية الشاملة، وتبرز أهميتها القصوى في حالات الطوارئ.
ومن الأهمية بمكان أن نوجه استثماراتنا الحالية نحو تعزيز النظم وجعلها أكثر متانةً وقدرةً على الصمود، لتكون حاضرةً وفاعلةً عندما تشتد الحاجة إليها.
وتوجز دعوة اليوم إلى العمل ثلاثة مجالات تركيز حاسمة:
أولًا، تعزيز المؤسسات والتمركز المسبق: إذ يجب علينا بناء النظم وتدريب الموظفين وتخزين المنتجات قبل أن تعصف بنا الأزمة القادمة.
ثانيًا، التأهب: يجب على البلدان أن تدمج إعادة التأهيل والتكنولوجيات المساعدة في خطط الطوارئ الوطنية، بما يضمن أن تكون جزءًا لا يتجزأ من الاستجابة الأولى، وليس مجرد رد فعل لاحق.
ثالثًا، الاستجابة للطوارئ: علينا أن نضمن، عند وقوع الأزمات، تفعيل خدمات إعادة التأهيل والتكنولوجيات المساعدة على الفور على نحو عاجل ومنسق.
ويبين العمل الذي اضطلعت به المنظمة مؤخرًا في المغرب (في عام 2023) وميانمار (في عام 2025) كيف تنقذ الإجراءات المبكرة الأرواح، وتحد من الإصابة باعتلالات طويلة الأجل.
وفي غزة، تعمل منظمة الصحة العالمية على تقييم الاحتياجات، وتوفير المنتجات المساعدة، وتنسيق خدمات إعادة التأهيل وسط الصراع المدمر. ويجري الآن إدماج مهنيي إعادة التأهيل في الفرق الطبية الطارئة التي تدعمها المنظمة على الصعيد العالمي، وتتضمن لوازم إسعاف المصابين إمدادات أساسيةً لإعادة التأهيل. ولكن مع تضرر أكثر من 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بالأزمات الإنسانية، لا يزال لدينا الكثير لنفعله.
ويسعى برنامج المنظمة المتعدد الشركاء إلى جمع 35 مليون دولار أمريكي على مدى ثلاث سنوات، للدفع قدمًا بالعمل العالمي الشامل بشأن ضمان إتاحة التكنولوجيات المساعدة وخدمات إعادة التأهيل في الأزمات الإنسانية. وأدعوكم إلى الانضمام إلينا في دعم هذه المبادرة البالغة الأهمية التي تجعل التزامنا المشترك بالكرامة والإنصاف والقدرة على الصمود أمام الجميع واقعًا ملموسًا.
وأخيرًا، أتوجه بجزيل الشكر والعرفان إلى جمهورية باكستان الإسلامية وجمهورية الصين الشعبية على دعمهما لبرنامج عملنا هذا باستضافتهما لهذا الحدث اليوم.
شكرًا لكم.