تقرير الصحة في العالم 2007

طباعة PDF

مرض جديد يظهر كل عام .. بهذا المعدل غير المسبوق لظهور الأمراض المستجدَّة والزيادة الفائقة في احتمالات سرعة انتشار العوامل المعدية ونواقلها من خلال أسفار أكثر من ملياري راكب سنوياً، وقائمة طويلة أخرى من التغيرات الجذرية في طريقة سكنى البشرية لكوكب الأرض، تواجه منظمة الصحة العالمية التحدِّي الهائل في سعيها نحو مستقبل أكثر أمناً في القرن الحادي والعشرين، والذي هو عنوان تقريرها عن الصحة في العالم لهذا العام.

وتقريرُ الصحة في العالم لعام 2007، الذي تصدره منظمة الصحة العالمية، يوم الخميس 23 آب/أغسطس الحالي، مكرَّس لموضوع تعزيز أمان الصحة العمومية العالمي، أي الحد من تعرُّض أي سكان لأخطار جسيمة تـتهدَّد الصحة.

ينطلق التقرير من رصد للتغيرات الجذرية التي شهدها العالم في العقود الستة الماضية، مثل النمو السكاني وغزو المناطق التي لم تكن مأهولة بالسكان من قبْل، والممارسات الزراعية الكثيفة، والتدهور البيئي، وإساءة استعمال مضادات الميكروبات، فضلاً عن ازدياد الاعتماد على المواد الكيميائية، وتصنيع وإنتاج الأغذية وتجهيزها، وعَوْلمة التسويق اللذين يعنيان أن أي عنصر واحد ملوَّث في السلسلة الغذائية يمكن أن يفضي إلى سحب أطنان من المواد الغذائية من عشرات من البلدان.

ما يؤكِّده التقرير – كما تقول الدكتورة مرغريت تشان، المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية – أن التهديدات التي يواجهها العالم صارت أكثر خطورة، في ظل الضعف والهشاشة والتـرابط الإلكتـروني والتـرابط الاقتصادي التي يتَّسم بها العالم الآن.

لكنه يركِّز على مسائل محدَّدة تعرض للخطر صحة الناس الجماعية على الصعيد الدولي، وهي:

أوبئة الأمراض الـمُعدية، والجوائح مثل إنفلونزا الطيور، والسارس، ومن قبلها الكوليرا والحمى الصفراء، والأمراض السحائية الوبائية التي عادت في الربع الأخير من القرن العشرين، فضلاً عن أمراض فيروسية ناشئة أخرى مثل الإيبولا، وحمى ماربورغ النـزفية، وفيروس نيباه، التي تشكِّل أخطاراً تـتهدَّد أمن الصحة العمومية العالمي بسبـب طابعها الحاد وما ينتج عنها من مراضة ووفيات.

وهنا يحذِّر التقرير، من أن المكاسب التي تحقَّقت في مجالات كثيرة من مجالات مكافحة الأمراض المعدية، يتهدَّدُها خطر شديد من جراء انتشار مقاومة الميكروبات للأدوية، ولاسيَّما في ما يتعلَّق بالسل، وأمراض الإسهال، وحالات العدوى المكتسبة في المستشفيات، والأمراض المنقولة جنسياً، والتهابات المسالك التنفسية، والملاريا والتهاب السحايا.

ويشير التقرير إلى الأمراض التي تنقلها الأغذية، في ضوء ما شهدته السلسلة الغذائية من تغيرات كبيرة وسريعة وتعقيدات، تؤدِّي إلى حدوث فاشيات أمراض تنقلها الأغذية نتيجة التلوُّث الميكروبي.

ويستكشف الفصل الثاني من تقرير (( مستقبل أكثر أماناً )) طائفة من الأخطار التي تـتهدَّد أمن الصحة العمومية العالمي، كما تعرضها اللوائح الصحية الدولية (2005)، تنجم عن أفعال أو أسباب بشرية وعن تفاعل الإنسان مع البيئة، وعن الحوادث الكيميائية والإشعاعية المفاجئة.

فهنالك الفاشيات العارضة، الناجمة عن انطلاق عوامل معدية، إما دون قصد بفعل مخالفات تدابير السلامة البيولوجية، وإما عمداً كما يتضح من رسائل الجمرة الخبيثة في الولايات المتحدة عام 2001.

وتـتجاوز التهديدات ما سبق إلى الحوادث الكيميائية السمية من جراء طمر (دفن) النفايات الكيميائية والبتـروكيماوية أو نتيجة للتلوُّث الكيميائي للأنهار العابرة للحدود أو استعمال زيوت طهي مسمَّمة وإلى الحوادث النووية الإشعاعية مثل كارثة تشيرنوبيل في الاتحاد السوفيتي السابق التي أدَّت إلى إجلاء أكثر من 000 336 شخص، وهنالك أيضاً الكوارث البيئية مثل موجات الحرارة التي شهدتها أوروبا وأَوْدَت بحياة 000 35 شخص عام 2003.

كيف أدَّى عدم كفاية الاستثمار في الصحة العمومية، الناجم عن إحساس زائف بالأمان في غياب مؤقَّت لفاشيات أمراض مُعدية، إلى انخفاض درجة التحفُّز وإلى التخفُّف من التقيُّد بـبرامج الوقاية الفعَّالة؟

يطرح التقرير هذه النقطة، مدلِّلاً عليها بمثال واقعي شهده العالم في ستينات القرن العشرين، في أعقاب استخدام المبيدات الحشرية على نطاق واسع، في برامج المكافحة المنهجية الكبرى، حيث لم تعد أغلبية الأمراض الهامة التي تحملها النواقل (الحشرات) تعتبر من مشاكل الصحة العمومية الكبرى خارج أفريقيا. وأدَّى ذلك إلى انتكاس برامج المكافحة، وبالتالي ظهور أمراض هامة كثيرة تحملها النواقل، مثل حمى الضنك النـزفية والملاريا في مناطق جديدة، وحدوث جائحة غير مسبوقة من مرض الضنك عام 1998 سقط خلالها 1.2 مليون مصاب من 56 بلداً.

ومن الأخطار الأخرى التي تهدِّد أمن الصحة العمومية وتعزى لأفعال أو لأسباب بشرية المنشأ، انتشار مزاعم لا تؤيِّدها أي أسانيد، وتنال من مصداقية التدخلات الوقائية أو العلاجية، مثل المزاعم التي نبعت في شمال نيجيريا ومفادها أن لقاح شلل الأطفال غير مأمون وقد يتسبَّب في عقم الأطفال الصغار، وكانت النتيجة ظهور العدوى مرة أخرى في نيجيريا وفي 19 بلداً مجاوراً خالياً من شلل الأطفال.

إساءة استخدام مضادات الميكروبات لا تبشِّر بأي خير

ومن الأوضاع التي يوردها التقرير واصفاً إياها بأنها لا تبشِّر بأي خير، إساءة استخدام المضادات الحيوية وما ينجم عنها من مقاومة الميكروبات للأدوية بسرعة تفوق القدرة على استحداث أدوية جديدة. وفي هذا الصدد يسلِّط التقرير الضوء على مشكلة السل الشديد المقاومة للأدوية في الجنوب الأفريقي، التي يؤدي إلى تفاقمها قصور النُظُم الصحية وما ينجم عن ذلك من إخفاقات في إدارة البرامج، ولاسيَّما سوء الإشراف على العاملين الصحيـِّين وعلى نُظُم علاج المرضى، وانقطاع الإمدادات الدوائية وهي أمور يمكن أن تؤدي جميعها إلى عدم إكمال المرضى لمقرِّرات علاجهم.

وتمثـِّل الكوارث الطبيعية – التي أصابت في عام 2006 وحده حوالي 135 مليون شخص وقتلت أكثر من 34 ألفاً آخرين – تهديداً للنُظُم الصحية المجهَدة أصلاً. ومن بين التأثيرات غير المباشرة للكوارث الطبيعية خطر وقوع أوبئة من الأمراض الـمُعدية، وسوء التغذية الحاد، ونـزوح السكان، والأمراض النفسية الحادة، وتفاقم الأمراض المزمنة، وهذا كله يتطلَّب وجود نُظُم صحية قوية للتعاطي معه.

اللوائح الصحية الدولية المنقَّحة (2005)

اللوائح الصحية الدولية المنقَّحة (2005) هي أبرز الأدوات الجديدة للدفاع الجماعي ضد التهديدات التي تحيق بالأمان الصحي العالمي. وقد كانت اللوائح الصحية الدولية في صيغتها الأولى تُعنى بالتصدي العالمي لمواجهة ستة أمراض فحسب، بحيث تخضع للحجر الصحي. أما الصيغة المنقَّحة من اللوائح فقد اتسَّع نطاقها بحيث أصبح محور تـركيز الدفاع الجماعي يشمل أي طوارئ لها عواقب دولية فيما يتعلَّق بالصحة، ومنها الأمراض المستجدَّة والأمراض التي قد تصبح أوبئة، وفاشيات الأمراض التي تحملها الأغذية، والكوارث الطبيعية، والحوادث الكيميائية أو النووية الإشعاعية، سواء كانت طبيعية أو بفعل فاعل.

ويعتمد تطبيق اللوائح الصحية الدولية (2005) على استـراتيجية تـرمي إلى اكتشاف أي حَدَثَ اكتشافاً مبكراً، ووقفه عند مصدره، قبل أن تـتاح لـه فرصة أن يصبح تهديداً دولياً.

توصيات

ويختـتم التقرير بتأكيد أهمية التطبيق الكامل للَّوائح الصحية الدولية، في نطاق من الشفافية وتعاون الحكومات؛ والدعوة إلى التعاون العالمي في مجال التـرصُّد والإنذار بحدوث الأوبئة والتصدِّي لها.

وأهمية تبادُل المعارف والتكنولوجيات والمواد بطريقة منفتحة، بما فيها الفيروسات والعيِّنات المختبرية.

وأهمية المسؤولية العالمية عن بناء القدرات وتدعيم البـِنْيَات الأساسية لمختلف البلدان.

وأهمية زيادة الموارد العالمية والوطنية من أجل تدريب العاملين في مجال الصحة العمومية ورفع قدراتهم.