المركز الإعلامي | الأخبار | ملاحظات لوسائل الإعلام | 2007 | منظمة الصحة العالمية تعقد ورشة عمل مشتـركة حول الصحة الإلكتـرونية

منظمة الصحة العالمية تعقد ورشة عمل مشتـركة حول الصحة الإلكتـرونية

طباعة PDF

خبراء وأطباء وإعلاميون يجمعهم بحكم التخصُّص الاهتمام بالتطورات المتلاحقة في مجال بالغ الحداثة وبالغ الأهمية أيضاً. بعضهم جاءت مشاركتهم آنية ومباشرة رغم إقامتهم في بلدان تفصلها آلاف الأميال عن مقر انعقاد الورشة. لتكون المشاركة تطبيقاً عملياً لجوهر الدورة التدريبية الاتصال والتعليم الطبي عن بُعد.

عبارات موجزة افتـتح بها الدكتور نجيب الشوربجي منسِّق - إدارة المعرفيات وتبادلها بمنظمة الصحة العالمية الورشة العملية – ملقياً من خلالها ضوءاً كثيفاً على تلك الآفاق بالغة الرحابة التي صارت متاحة بحكم تقنيات الاتصال وتبادل المعرفيات والعلوم – لاسيَّما الصحية – عن بُعد ومقدِّماً عقبها الدكتور عصام العريان ممثل نقابة الأطباء المصريـين في عرض تقني عن الأخلاقيات الطبية من منظور إسلامي.

مدهش ما استعرضه الدكتور عصام العريان من بُعد تاريخي لأخلاقيات الطب منذ نحو ألفي وخمسمئة عام وتحديداً منذ عهد العلاّمة أبو قراط الذي إليه ينتسب قسم الأطباء المعروف. ومدهش أيضاً أن يستشعر الحاضرون تلك الرابطة والتلاحم بين هذه الأخلاقيات التي عرفتها البشرية منذ عهد سحيق وبين ما جاءت به الأديان من حث على اتباع الأخلاقيات نفسها.. وحتى عصرنا هذا. فحُسْن الخلق والذكاء والأمانة واحتـرام خصوصية المريض وعدم إفشاء سره والكفاءة المهنية، بل والنظافة وحُسْن الملبس وتغليب الأبعاد الإنسانية على المكاسب المادية كلها أمور اجتمع عليها كل من تصدَّى لتقنين أخلاقيات مهنة الطب.. وكأنها فطرة إنسانية لا يمكن الشذوذ عنها، ليثور السؤال الخالد.. ما أروع التنظير فما بال التطبيق؟

أشكاليات...

إلى صلب الورشة العملية ينتقل العرض التقني للدكتور عصام العريان متناولاً إيجابيات وسلبيات التطبيب عن بُعد أو الصحة الإلكتـرونية. وإذا كانت الإيجابيات عديدة ولا يمكن حصرها، وإن كان يمكن الاتفاق على أن جوهرها هو طي المسافات التي طالما أعاقت في السابق فرص التبادل اليسير والسريع للمعارف أو حرمت مريضاً من فرص العلاج بسبب الفاصل المكاني، فإن السلبيات لا يُستهان بها أيضاً وأهمها غلبة المفهوم الخاطئ بأن التطبيب عن بُعد يغني عن ما لا غناء عنه أي مناظرة الطبيب لمرضاه وصولاً إلى التشخيص السليم الذي هو أساس العلاج الناجع. إنها إشكالية الإعلام الصحي في مجمله – كما يقول الدكتور العريان – حيث أصبحنا إزاء حالة تشخيص عن بُعد يقتـرح خلالها الطبيب عدة بدائل تشخيصية ينتقي منها المريض ما يناسبه في عملية تبادل غريب للأدوار.

الحل هو تفعيل الأخلاقيات التي تجعل المناظرة أمراً لا بديل له وتحديد الحالات التي تصلح فيها تطبيقات التطبيب عن بُعد.

ما الذي يمكن للتـرجمة أن تقدِّمه في مجال الصحة الإلكتـرونية؟ إن التـرجمة هي أحد الروافد الأساسية لتحصيل المعارف الحديثة ومساعدة أي مجتمع على مواكبة ما يدور في العالم.

وعلى مر العصور كان للتـرجمة في العالم العربي والإسلامي شأن كبير ساهم في انتشار العلوم والحضارات وترافد المجتمع الإنساني بأكمله. وشأن مجالات عديدة – مرت التـرجمة بمراحل تراجع في منطقتنا العربية والإسلامية حرمت شعوبها من التواصل الدقيق مع منتوجات المعارف العالمية. وهي تعود الآن لتـتلمس خطاها في ظل احتياج متزايد لفض إشكاليات عديدة يتعلق بعضها بدور المتـرجم وهل هو مجرد ناقل للنصوص أم قائم على بوابة القِيَم والأخلاقيات لمجتمعه، ولاسيَّما في ظل ما يعرف بالغزو الثقافي، وإشكاليات أخرى تـتعلق بكم المتـرجمات ونوعيتها، وانتقاء المعارف.

وللتـرجمة – كما يوضح العرض التقني الذي قدَّمته السيدة غادة الشربيني – المتـرجمة بمنظمة الصحة العالمية – إشكاليات أخرى تـتعلق بحيرة المتـرجمين أمام التفضيل بين البُعد الأخلاقي والالتزام بحرفية النص.

فإذا كان البُعد الأخلاقي يحول دون نقل معلومة تسيء لقيم المجتمع، أو نقل أنماط سلوكية مستنكرة كما يرفض التغريب وتقويض المقومات الحضارية. فإن الالتزام بحرفية النص تحمي حق المؤلف الحصري في التغيـير وتحمي النص الأصلي من الانتهاك.

ويشير العرض التقني إلى اختلاف خصائص اللغات المنقول منها والمنقول إليها ودوره في انتقاء أساليب التـرجمة والتصرف اللغوي وفقاً للسياق الثقافي والاجتماعي والسياسي.

ومن خلال تساؤلات مثل: هل المتـرجم في موقع يمكنه من القيام بترويض النص المتـرجم لضمان المقبولية ومراعاة الاعتبارات المجتمعية؟

وهل يجوز أن يرفض المتـرجم القِيَم الثقافية للنص الأصلي؟

تقتـرح السيدة غادة الشربيني الوصول إلى منهج وسيط يحتـرم مقومات الثقافة العربية الراسخة، ويحقِّق التوازن بين الجديد والمتأصِّل ويتفادى الانغماس والأنصار المطلق مع الحفاظ على روح النص الأصلي.

ثم تنتقل ورشة العمل إلى بُعد آخر من خلال عرض بعنوان:

(( الاستشارات الصحية على الإنتـرنت في العالم العربي: دراسة حالة لموقع إسلام أون لاين )).

ثمانية ملايـين مستخدم لشبكة المعلومات الدولية (الإنتـرنت) في العالم العربي. السبب الرئيسي لملاحقتهم هو البحث عن المعلومة، وفي مقدمتها المعلومة الصحية التي يسعى وراءها 40% من مستخدمي الإنتـرنت.

بهذه المقدِّمة بدأت الدكتورة نادية العوضي مديرة موقع إسلام أون لاين عرضها التقني عن الاستشارات الصحية التي باتت تحتل موقعاً فريداً تكشف عنه محركات البحث الرئيسية مثل (( ياهو )) و(( جوجل )).

قد لا يكون عدد مستخدمي الإنتـرنت العرب كبيراً مقارنةً بالمستخدمين العالميـين (800 مليون). ولكن هذا لم يمنع أن يحتل موقعاً عربياً هو إسلام أون لاين، مكانة رفيعة بين المواقع التي يستهدفها المستخدمون بحثاً عن المعلومة الصحية حيث يحتل المرتبة الرابعة عشرة بين 250 ألف نتيجة عند البحث عن الصحة على محرك (( جوجل )).

هل يعني ذلك الإقبال أن المعلومة الصحية المستقاة من الإنتـرنت والتي تشكل أحد محاور الصحة الإلكتـرونية هي الأفضل؟

قائمة السلبيات التي تستعرضها الدكتورة العوضي للصحة الإلكتـرونية لا تؤكِّد ذلك. فالمعلومة الصحية قد لا تـتوافر على الإنتـرنت، وإن توافرت فقد لا تـتسم بالدقة الكافية، أو قد يصعب على المستخدم الوصول إليها. ثم إن السرية في تداول المعلومات الصحية الخاصة غير مضمونة.

لعل هذا ما حدا بالمختصين إلى تدشين ميثاق أخلاقيات الصحة الإلكتـرونية بقيمه الثمانية: الصراحة والأمانة والجودة والموافقة المبنية على المعلومة الكاملة والسرية والمهنية العالية والشراكة المسؤولة وتحمُّل المسؤولية.

ومن هذا الميثاق استقت صفحة استشارات صحية النهج الذي تسير عليه، والذي يقوم أكثر ما يقوم على حقيقة أن الخدمة ليست بديلاً عن زيارة الطبيب، وأن الأساس هو زيادة الوعي بالمفهوم السليم للصحة، فضلاً عن بساطة المصطلحات وإضافة الرأي الشرعي حين يكون ذلك مناسباً، والتوافق مع الأخلاقيات التي وضعتها منظمة الصحة العالمية للصحة الإلكتـرونية.

ما يؤكِّده العرض التقني بعد استعراض تفاصيل عملية الاستشارة الصحية على الإنتـرنت هو الحاجة إلى المزيد من البحث عن تأثيرات الاستشارات الصحية على صحة المستخدمين العرب وعلى علاقة الطبيب بمريضه. وعلاقة الأطباء بشبكة الإنتـرنت.

البحوث الصحية...

ماذا عن دور البحوث في إنتاج المعرفة واستخدامها إلكتـرونياً؟ وماذا عن أخلاقيات البحوث الصحية والطبية؟

كان لهذين السؤالَيْن مكانهما في الورشة العملية من خلال ورقة بحث قدَّمها الدكتور علاء أبو زيد المسؤول بوحدة سياسات البحوث والتعاون بمنظمة الصحة العالمية.

انطلاقاً من تعريف البحث العلمي على أنه (( تحريات منظمة صُمِّمت لإنتاج معلومات يمكن تعميمها )) أكَّد الدكتور أبو زيد العلاقة الوطيدة بين البحوث والصحة الإلكتـرونية. فالقطاع الصحي قطاع تحركه المعلومات والبحوث وسيلة مثالية لتحصيل المعلومات عن انتشار الأمراض وأسبابه وطرق الوقاية منها وسُبُل الارتقاء بالصحة إلى آخر قائمة المعارف التي تـتيحها البحوث الصحية وتكتسب منها أهميتها.

وإذا كان تاريخ البحوث الصحية يعود إلى زهاء 25 قرناً من الزمان، فإن العالم ظل إلى سنوات قليلة ماضية بحاجة إلى تجديد المواثيق الأخلاقية للبحوث الطبية، وكان آخرها تحديث إعلان هلسنكي عام 2002 ليؤكِّد على إعطاء الأولوية لسلامة الفرد على إثراء العلم والمعرفة، والحصول كتابياً على الموافقة المستنيرة من المتطوعين ومراجعة البحث قبل إجرائه بواسطة لجنة متخصِّصة في أخلاقيات البحوث، هذا فضلاً عن مسؤوليات الطبيب الباحث المتعلقة بتحرِّي الدقة العلمية وحماية خصوصية المتطوعين ومراعاة مصلحتهم والتزام المعايـير العلمية.

دستور الصحة الإلكتـرونية...

كان ختام الدورة التدريبية عرضاً تقنياً حول دستور أخلاقيات الصحة الإلكتـرونية للدكتور نجيب الشوربجي. قدم من خلاله الرؤية المحدَّدة للغرض من هذا الدستور والمتمثلة في أن يتبيَّن الناس ما يمكن أن تفعله الإنتـرنت في مجال تدبير شؤون صحتهم وصحة من يتولون رعايتهم والعناية بهم، وذلك في ضوء فهمهم العميق لطبيعة المخاطر التي تحيق بهم.

وإذا كان هذا شأن (( المتلقين )) فإن شأن المنظمات والأفراد الذين يقدِّمون المعلومات الصحية عبر الإنتـرنت كما يشير الدكتور الشوربجي هو أن يلتزموا بالمعايـير المنظمة لأفضل الممارسات المتَّبعة في التعامل مع الإنتـرنت، وأن تكون المادة التي يقدِّمونها جيدة المضمون رفيعة المستوى.

وهو يشير إلى المعلومات والمنتجات والخدمات الصحية كأنواع لما يتم تبادله عبر شبكة الإنتـرنت في مجال الصحة، ويؤكِّد أنه في كل الأحوال لابد من التحلِّي بالقِيَم والمبادئ المتعلقة بالصدق والإخلاص والأمانة والجودة، من خلال عرض المعلومات الصحية الدقيقة السهلة الفهم والحديثة، وتقديم المعلومات التي يحتاج إليها المستفيدون في إصدار أحكامهم الخاصة حول المعلومات أو المنتجات أو الخدمات الصحية التي يقدِّمها الموقع، والحصول على الموافقة المستنيرة المبنية على الاطِّلاع على الحقائق والمخاطر المحتملة، واحتـرام حق المستفيدين في اتخاذ قرار فيما إذا كان جمع معطياتهم الشخصية أو استعمالها أو مشاطرتها للآخرين مسموحاً، واحترام خصوصية المنتفع.

مبادئ أخرى بالغة الأهمية يطرحها العرض التقني للدكتور نجيب الشوربجي مثل الاحتـراف في مجال تقديم الرعاية الصحية الإلكتـرونية الفورية بكل ما يشتمل عليه معنى الاحتـراف من التزام بالدساتير الأخلاقية الحاكمة للمهنة، وعدم إحداث الضرر، وتقديم مصالح المرضى على ما عداها، وحفظ أسرارهم، وإحاطة المرضى علماً بحدود الرعاية الصحية الإلكتـرونية الفورية والتعريف بها.

ويضيف مبادئ أخرى للصحة الإلكتـرونية لا تقل أهمية مثل الوصف الدقيق للعوائق التي تحد من قيمة التشخيص الإلكتـروني الفوري ومن صحة إعطاء توصيات المعالجة الإلكتـرونية الفورية، والتشارك المبني على تحمل المسؤولية من خلال التعامل مع جهات وأفراد جديرين بالثقة ويتمتَّعون بالمعايـير الأخلاقية المتفق عليها. وأخيراً المحاسبة من خلال حرص المواقع التي تقدم المعلومات والمنتجات والخدمات الصحية على إتاحة فرصة جيدة للمستفيدين كي يزودوا الموقع بالمعلومات الارتجاعية التي تفيد في تقييم الخدمات المقدَّمة وقياس جودتها، والتزام المواقع بدستور أخلاقيات الممارسة الإلكتـرونية للخدمات الصحية.

واختـتمت الدورة التدريبية بنقاش مستفيض حول دستور عربي لأخلاقيات الصحة الإلكتـرونية، وتعهد المشاركون بالعمل على إصداره في وقت قريب، وعلى فتح مجال للنقاش الموسَّع للدستور المقتـرح لكي يغطي كافة المجالات، ويجيب على كافة التساؤلات.