أصبح معلوماً الآن أكثر من أي وقت مضى أن جانباً كبيراً من المشكلات الصحية يُعزى إلى ظروف وأسباب اجتماعية. إلا أن السياسات الصحية ظلت تهيمن عليها الحلول القائمة على التعامل مع الأمراض وتجاهل البيئات الاجتماعية. وكان من جراء ذلك أن تفاقمت المشكلات الصحية، واتسعت رقعة الظلم في الحصول على خدمات الرعاية الصحية ولم تعد التدخلات الطبية تحقق النتائج المرجوة منها.
في الوقت نفسه، تثبت الدلائل أن السياسات والعمل والقيادات التي تتناول الأبعاد الاجتماعية للصحة يمكنها أن تحسن الأوضاع الصحية وتتيح فرصاً أكثر عدالة للحصول على الرعاية الصحية.
وانطلاقاً من قناعة منظمة الصحة العالمية بهذه الحقائق، تولي المنظمة اهتماماً متزايداً بالجوانب والمحددات الاجتماعية للصحة. وشكلت لهذا الغرض (( المفوضية المعنية بالمحددات الاجتماعية للصحة )).
والمفوضية هي كيان جديد قُصد من تأسيسه أن يقود العمل على القضايا الاجتماعية التي تقف وراء تدهور الأوضاع الصحية. وقد أعلن تأسيسها في العاصمة التشيلية سانياغو في 18 آذار/مارس الماضي كل من الدكتور لي يونغ ووك، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية وفخامة رئيس تشيلي. ومن مهام المفوضية اقتراح التحرُّك العملي والتدخلات والسياسات التي من شأنها تحسين الصحة وتضييق الفجوة الصحية من خلال التركيز على المحدِّدات الاجتماعية. وستتواصل مهمة المفوضية حتى عام 2008.
وتعقد هذه المفوضية الاجتماع الثاني لها في القاهرة من 5 إلى 7 أيار/مايو 2005، حيث يقام الافتتاح في مقر المجلس القومي للمرأة ثم تعقد الجلسات في مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
والمقصود بالمحدِّدات الاجتماعية، الظروف التي يعيش فيها الناس ويعملون وهي تتضمن الفقر، العزل الاجتماعي، السكن غير الصحي، العمل في ظروف خطرة، وضعف النظم الصحية.
وتسهم المحدِّدات الاجتماعية في تفسير سبب معاناة الفقراء والمهمشين من المرض والوفاة المبكرة أكثر من نظرائهم الذين يتمتعون بأوضاع اجتماعية أفضل.
يرأس المفوضية السير ميشيل ماربوت من جامعة لندن، وتضم المفوضية في عضويتها 17 عضواً من كبار الشخصيات من راسمي السياسات والعلماء والممارسين للعمل العام والمجتمع المدني من مختلف البلدان. ومن بينهم الدكتورة هدى رشاد، مدير مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية وعضو مجلس الشورى والمجلس القومي للمرأة الذي يرفع تقاريره إلى السيد رئيس الجمهورية المصري والسيدة الأولى.
يناقش اجتماع القاهرة الذي يشارك فيه الدكتور إيفانز تيم، مساعد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إطار العمل المفاهيمي والقيمي، والاتفاق على أولويات العمل في مجال جمع المعلومات والأدلة من خلال ((شبكات المعلومات )) التي تأسست لتعزيز عمل المفوضية؛ والوصول إلى اتفاق عام بشأن عمل المفوضية على المستوى البلداني؛ وتحديد ومناقشة الآليات اللازمة لانضمام شركاء دوليين في المفوضية.
ويعقب اجتماع المفوضية، مشاورة إقليمية تقام لمدة يومين في مقر المكتب الإقليمي لشرق المتوسط يقدم خلالها كبار المسؤولين في بلدان الإقليم استعراضاً مفصلاً للأوضاع في تلك البلدان ومناقشة التحرك المستقبلي.