مع بداية عام 2022، تُتاح لنا أفضل فرصة للقضاء على شلل الأطفال إلى الأب
بيان للسيد جورج لاريا أدجي والدكتور أحمد المنظري
في حزيران/ يونيو من العام الماضي، زُرنا باكستان، وهي أحد بلدين لا يزال يتوطن فيهما فيروس شلل الأطفال البري. وعدنا معًا إلى البلد في تشرين الثاني/ نوفمبر لنشهد التقدُّم الـمُبهر الذي أحرزه برنامج شلل الأطفال في باكستان، ونهجه الذي لا تقيّده قيود لوقف سراية المرض، وهو التقدُّم الذي أتاح لنا أفضل فرصة حتى الآن للقضاء على هذا المرض.
ونحن إذ نؤدي أدوارنا، نتعاملُ مع طيفٍ واسعٍ من التحديات الصحية والإنسانية، إلا أن عددًا قليلًا منها قد أوشك على الحلّ مثل شلل الأطفال. ومع بداية عام 2022، ومع إصابة طفل واحد فقط بالشلل بسبب فيروس شلل الأطفال البري في باكستان العام الماضي وأربعة أطفال في أفغانستان المجاورة، لدينا أفضل فرصة للقضاء على شلل الأطفال إلى الأبد.
ونقول هذا بوضوح: لقد أحرزنا تقدمًا ملحوظًا، ولكننا لم نبلغ ما نصبو إليه بعد.
وللوصول إلى الهدف النهائي، نحتاج إلى استمرار الالتزام والتقدم الذي شهدناه في باكستان حتى النهاية، وحتى يتوقف انتقال العدوى، ويصل عدد الحالات إلى الصفر.
وعلينا أن نتوقف عن التفكير في أن باكستان وأفغانستان تحديان منفصلان. فهما كتلةٌ وبائيةٌ واحدةٌ، ويجب على البلدين العمل معًا للتصدي لهذا التهديد المشترك.
وعلينا أن نضمن وصول حملات عالية الجودة على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية إلى كل طفل لأننا إن لم نصل إلى كل طفل، فلن نستأصل شلل الأطفال.
وقد اختتمنا بعثتنا الثانية في تشرين الثاني/ نوفمبر، ومما يُثلج صدورنا أن برنامج شلل الأطفال في باكستان يفي بالغرض المُعد من أجله على نحو لم يسبق له مثيل من قبل. فقد أصبحت حملات التطعيم أكثر دقة، وأصبحت العمليات والرصد أكثر صرامة، والإجراءات التصحيحية أحسن توقيتًا وأكثر فعالية. وقد أكدت لنا المراجعة المستقلة التي أجريَت مؤخّرًا أن نُظُم ترصُّد شلل الأطفال في باكستان هي الاكثر تطورًا في العالم، فهي قادرةٌ على كشف سريان فيروس شلل الأطفال. ويُبلَغ عن حالات الإصابة بالشلل الرخو بين الأطفال في جميع أنحاء البلد. وتُجمع عينات مياه المجارير بشكل روتيني من 65 موقعًا في 44 مقاطعة في جميع أنحاء البلد. وما علينا القيام به الآن هو رأب الفجوات على أرض الواقع، حتى يكون هذا النظام أكثر حساسية للكشف في الوقت المناسب عن المستويات المنخفضة جدًا لسراية فيروس شلل الأطفال.
وما زلنا نشعر بالإعجاب بالمستوى الرفيع من القيادة الحكومية والمشاركة على جميع المستويات، بدءًا من رئيس الوزراء عمران خان، الذي ترأس اجتماع فرقة العمل الوطنية المعنية باستئصال شلل الأطفال الذي حضرناه، وصولًا إلى كبار المسؤولين الحكوميين ومفوضي المناطق في المقاطعات الرئيسية في السند وبلوشستان وخيبر باختونخوا. ونحن نُشيد بالحكومة لتأكيدها أنها ستواصل المساهمة بالأموال في برنامج استئصال شلل الأطفال في إطار خطة خمسية جديدة.
ومن الضروري لإنجاز المهمة الإنصات إلى المجتمعات المحلية وإشراكها في العمل، لا سيّما في المناطق المُعرَّضة بشدة لخطر سريان شلل الأطفال. ونحن نعلم أن بعض الآباء ليس لديهم كل المعلومات التي يحتاجون إليها لكي يفهموا أن شلل الأطفال مرضٌ شديد العدوى ومُسببٌ للعجز وقاتل في بعض الأحيان ويمكن الوقاية منه بسهولة عن طريق قطرات تؤخذ عن طريق الفم. وخلال زياراتنا، كان مما يبعث على التشجيع رؤية أفرقة العمل في الخطوط الأمامية، ومعظمهم من النساء، وإقامة علاقات جديدة مع المجتمعات المحلية، وتعزيز التحالفات المحلية، وبناء الثقة في اللقاحات والحفاظ عليها، والتواصل المباشر مع الأسر ومقدمي الرعاية للأطفال الذين يفوتهم التطعيم باستمرار.
ولطالما أدركنا أن برنامج شلل الأطفال وبنيته الأساسية لهما أهميةٌ محورية ٌفي الصحة العامة في جميع أنحاء الإقليم، ولا سيّما في باكستان وأفغانستان حيث قاد البرنامجُ الاستجابةَ لفيروس كوفيد-19. وفي بيشاور وكراتشي وكويتا، شهدنا ذلك مباشرةً حيث نَفَذَّت باكستان واحدة من أكبر حملات التطعيم في التاريخ. وجرى تطعيم ما يقرب من 93 مليون طفل تتراوح فئاتهم العمرية من 9 أشهر إلى 15 عامًا ضد الحصبة والحصبة الألمانية. وفي الوقت نفسه، وبتنسيقٍ وثيقٍ، جرى تطعيم ما يقرب من 32 مليون طفل ضد شلل الأطفال. وكان هناك تآزر ملحوظ استدعى رؤيتنا المشتركة المتمثلة في خلو باكستان من شلل الأطفال، وكذلك الرؤية الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية المتمثلة في الصحة للجميع وبالجميع.
إلا أن الأطفال الثلاثة المصابين بالشلل الناجم عن فيروس شلل الأطفال البري في شمال أفغانستان في أواخر العام الماضي، والاكتشاف البيئي لشلل الأطفال في جنوب خيبر باختونخوا مؤخرًا، يُذكِّران بأن هذا الفيروس لا يعترف بالحدود، ويجب على البلدين العمل معًا للاستفادة من الفرصة الحالية لانخفاض أعداد الحالات استفادةً كاملةً.
وعلى جانبي الحدود، يعد التركيز التام على المستودعات الرئيسية والمناطق المعرضة لخطر شديد أمرًا بالغ الأهمية لوقف سراية العدوى، ويعد التنسيق الوثيق بشأن المستودعات المشتركة والتحديات المتعلقة بالممرات الحدودية مؤشرًا جيدًا. ويجري استكمال مرجعة الترصُّد في باكستان بمراجعة مماثلة في أفغانستان، مما يعطينا مؤشرًا أفضل عن الثغرات وكيفية معالجتها. ويُعَدُّ الجهد المبذول لتحقيق التزامن بين أنشطة التطعيم خطوة مهمة إلى الأمام، ونتوقع أن يكون لها تأثير كبير.
وتهدد القيود المفروضة على التمويل بتقويض نظام الرعاية الصحية بشدة وتصاعد الاحتياجات الإنسانية في أفغانستان حيث تتحمل كل من منظمة الصحة العالمية واليونيسف مسؤولية المساعدة في استمرار تقديم الخدمات الصحية، وذلك من خلال برنامج «صحت مندي» (الصحة الجيدة) في المقام الأول. ولا يمكن أن تستمر أنشطة التطعيم والترصّد إذا سُمح للنظام الصحي بالانهيار.
وقد أحرز العالم بتكاتفه تقدُّمًا ملحوظًا في استئصال شلل الأطفال، لكننا لم نبلغ بعدُ الغايةَ المرجوّة. ومع بداية عام 2022، سنواصل العمل مع أعضاء اللجنة الفرعية الإقليمية المعنية باستئصال شلل الأطفال، التي تضم وزراء الصحة من جميع أنحاء إقليم شرق المتوسط، لدعم استجابة إقليمية لمشكلة إقليمية.
إننا بحاجة ماسة إلى تحرّك طارئ وواسع النطاق من جميع أنحاء الإقليم والعالم للمضي قُدُمًا لاجتياز هذا الشوط الأخير. إننا بحاجة إلى الإرادة السياسية والتمويل والعزم الذي لا يلين من جميع الأنحاء للإبقاء على هذه حالة طوارئ الصحة العامة في صدارة ومحور الاهتمام حتى يصل عدد الأطفال المصابين بشلل الأطفال إلى الصفر ويبقى كذلك.
السيد جورج لاريا أدجي هو المدير الإقليمي لليونيسف لجنوب آسيا؛ والدكتور أحمد المنظري هو المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط.