المركز الإعلامي | الأخبار | كلمة تلقيها الدكتورة حنان حسن بلخي المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط في فعالية الشراكة الاستراتيجية التي تستضيفها مؤسسة الملك خالد في الرياض

كلمة تلقيها الدكتورة حنان حسن بلخي المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط في فعالية الشراكة الاستراتيجية التي تستضيفها مؤسسة الملك خالد في الرياض

أرسل إلى صديق طباعة PDF

22 نيسان/ أبريل 2025

صاحبة السموّ الملكي الأميرة نوف بنت محمد بن عبد الله،

أصحابَ المعالي والسعادة،

الضيوف الكرام،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسعد وأتشرف بأن أكون بينكم اليوم لمناقشة الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين منظمة الصحة العالمية والمملكة العربية السعودية.

وأعرب عن امتناني بدايةً لمؤسسة الملك خالد التي استضافت، برعاية كريمة، جَمْعنا هذا الذي نسعى فيه لاستكشاف آفاق جديدة رحبة للشراكة بيننا من أجل النهوض بالصحة في جميع أنحاء إقليم شرق المتوسط.

السيدات والسادة،

إن منظمة الصحة العالمية هي الوكالة الصحية الرائدة في العالم، وهي واحدة من المنظمات القلائل التي تستند إلى العلم في الأمم المتحدة، ويعود تاريخ إنشائها إلى 77 عامًا مضت.

وتتمثل الأهداف السامية للمنظمة في الحفاظ على سلامة العالم، وضمان تمكُّن كل شخص، في كل مكان، من التمتُّع بأعلى مستوى ممكن من الصحة.

وتتولى المنظمة إدارة دفَّة الجهود العالمية الرامية إلى الوقاية من الأمراض، وتعزيز الصحة، والاستجابة لحالات الطوارئ، وتعزيز النُّظُم الصحية من خلال السياسات والشراكات المسنَدَة بالبيِّنات.

إن إقليم شرق المتوسط يواجه تحديات جسام فاقت حجم التحديات التي تواجهها أقاليم المنظمة الأخرى. فضلًا عن تحمُّل الإقليم لأكثر من ثلث العبء الإنساني العالمي، واستضافته لملايين النازحين.

ولذلك، فإن دولنا الأعضاء تنتظر منا ما هو أكثر من مجرد إرساء القواعد والمعايير وتقديم الدعم التقني.

وتتشابك التحديات والاحتياجات في إقليمنا، لكن الإمكانات وفرص التغيير تتجاوز كل حدود.

فعبر عقود من العمل المشترك، تعاونت منظمة الصحة العالمية مع شركائها في البلدان والأراضي الاثنين والعشرين التي يضمها الإقليم، ومدت يد العون لوزارات الصحة والمجتمع المدني والعاملين الصحيين الذين يقفون في خطوط المواجهة الأولى، من قلب العواصم النابضة إلى أبعد المناطق النائية.

إننا على وعي تامٍّ وعميق بالاحتياجات الصحية لهذا الإقليم، وبإمكاناته أيضًا.

وقد قدمنا، في العام الماضي وحده، الرعاية الصحية والإمدادات الطبية المنقذة للحياة إلى ملايين الأرواح في غزة والسودان والجمهورية العربية السورية واليمن، وغيرها من البقاع التي طالتها آلة الدمار.

ووسَّعنا رقعة التمنيع في جميع أنحاء الإقليم، وأدخلنا لقاح الملاريا في السودان.

واستجبنا بحزم لفاشيات فيروس شلل الأطفال المتحور في ستة بلدان، معززين جهود الترصُّد والاستجابة لمكافحة فيروس شلل الأطفال البري في البلدَيْن الذين ما زال يتوطنهما على مستوى العالم، وهما أفغانستان وباكستان.

وقد اعتمدنا خلو مصر من الملاريا، وباكستان من التراخوما.

وأصبح الأردن أول بلد في العالم تتحقق منظمة الصحة العالمية من قضائه على الجذام.

وساعدنا البلدان في السير بخطوات واثقة نحو مكافحة الحصبة وتيتانوس الأمهات والمواليد والتهاب الكبد C.

وبدأ أكثر من 120 مدينة عضوًا في شبكة مدننا الصحية رصد نوعية الهواء، ومكننا 15 بلدًا من تعزيز النظم الصحية القادرة على التكيف مع تغير المناخ.

وبفضل الجهود التي تبذلها منظمة الصحة العالمية، يعمل المزيد من البلدان على تحسين سُبُل مكافحة السرطان، وتوسيع مظلة التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري، والتصدِّي لتعاطي التبغ.

وازدهرت رعاية الصحة النفسية في 14 بلدًا، وأدرجنا تعاطي مواد الإدمان بقوة على جدول أعمال الصحة العامة في الإقليم.

ونعكف حاليًّا على دعم التحول الرقمي للنُّظُم الصحية في الإقليم، من خلال مساعدة البلدان على تحسين نُظُم البيانات، واعتماد مبادئ توجيهية مُسندة بالبيّنات، وتعزيز قدرات التجارب السريرية.

واستثمارًا لهذا الزخم، وضعت المنظمة خطة تنفيذية استراتيجية إقليمية للفترة 2025-2028، تنتظم حول أولويات وضعتها البلدان وحصائل قابلة للقياس، وتستند إلى عملية رصد شفافة وتبليغ فوري.

وفي السنوات الأربع المقبلة، سنمد أيدينا إلى الدول الأعضاء للنهوض بالصحة وتوسيع آفاق الرعاية الجيدة، وتعزيز التأهب للطوارئ الصحية والقدرة على الصمود أمام تحديات تغير المناخ، ودعم استئصال شلل الأطفال على الصعيد العالمي.

وستوسِّع مبادراتنا الرئيسية الثلاث نطاق القوى العاملة الصحية، وتزيد فرص الحصول على الأدوية الأساسية، وتتصدى للزيادة في تعاطي مواد الإدمان.

واليوم، تجتمع في هذه القاعة كوكبة من ألمع العقول والقيادات في المملكة العربية السعودية، من القطاعات العام والخاص والخيري.

وأتطلع بحماس إلى إجراء مناقشات مهمة معكم للوقوف على مبادراتكم، والإنصات إلى تجاربكم التي بوَّأتكم موقع الصدارة في مجالَي الرعاية الصحية والدعم الخيري في المملكة. فالمملكة العربية السعودية، باتت، وعلى نحو متزايد، بلدًا رائدًا وقادرًا على جمع المعنيين بمجال الرعاية الصحية، ويمكن لمدخلاتكم وابتكاراتكم القيمة أن تساعدنا على تحقيق أولويات الصحة العالمية على نحو أفضل.

إن المملكة تشهد - بلا شك - نقلة نوعية في الرعاية الصحية.

فقد كنتم ثالث بلد على مستوى العالم يحقق مستوى النضج الرابع حسب تصنيف المنظمة واستنادًا لأداتها العالمية للمقارنة المرجعية، وستصبحون في القريب العاجل - بإذن الله - أول سلطة مُدرجة في قائمة المنظمة في الإقليم. وتلك الخطوات المهمة من شأنها أن تعزز الثقة في نظامكم التنظيمي وتُحسِّن إتاحة الأدوية العالية الجودة.

وفي كل مكان داخل المملكة، نرى جهودكم تستهدف:

سد الفجوات في إتاحة الرعاية الصحية وتحسين جودتها؛

الاستثمار في تنمية القوى العاملة وبحوثها؛

بناء القدرات في مجال الصحة الرقمية

إرساء سلاسل إمداد قادرة على الصمود؛

الاستفادة من قوة الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

ولم تكتفوا بذلك، بل نقلتم هذا الزخم وتلكم الطاقة إلى كيفية دعمكم للتنمية الدولية.

لقد غدت المملكة في مكانة مرموقة بين أبرز الجهات المانحة في العالم نسبة إلى ناتجها القومي الإجمالي - أو الدخل الوطني الإجمالي - بل تجاوزت في بعض السنوات غاية الأمم المتحدة للمساعدة بنسبة 0.7% من الدخل القومي الإجمالي، وهو إنجاز لم يحققه الكثير من البلدان.

واليوم، تخطت المساعدة الإنمائية الخارجية للمملكة حدود الدعم الماليَّ السخيَّ. فهي تقدم معونة إنسانية وإنمائية حيوية ذات طابع استراتيجي متزايد، تتناغم مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وتركز على تحقيق أثر ملموس.

ومؤسسات، مثل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، تقدم دعمًا بالغ الأهمية لتحقيق استئصال شلل الأطفال وتوفير الرعاية المنقذة للحياة في البلدان التي تئن تحت وطأة النزاع في إقليمنا وخارجه.

إن هذا التحول النوعي في العمل الخيري السعودي -من مجرد خدمة أغراض خيرية بحتة إلى عطاء مؤسسي مدفوع بالرغبة في التأثير- يتوافق بصدق مع نهج منظمة الصحة العالمية.

ونحن نشارككم التزامكم بالعمل المسند بالبيِّنات، وتحمُّلكم للمسؤولية القُطرية، وتضامنكم العالمي.

ولذلك، فإن الاستثمار في المنظمة ليس مجرد منحة، بل هو شراكة استراتيجية.

فمع منظمة الصحة العالمية، سيكون لاستثماراتكم أثر فوريٌّ ملموس وتحول يمتد إلى المستقبل البعيد. فهي تقوِّي النُّظُم، وتبني القدرة على الصمود، وتنقذ الأرواح - ليس في أوقات الأزمات فحسب، بل في كل يوم من خلال الوقاية والتشخيص والعلاج.

معًا، نستطيع أن نجعل إقليم شرق المتوسط أوفر صحة وقدرة على الصمود. ومعًا، يمكننا تحويل عطائكم السخي إلى تغيير يُخلده الزمن.